الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
طالب متخصص في السلك القضائي العلماء من الفقهاء والمجامع الفقهية بالاجتهاد الفقهي ببحث مسألة عدم إخراج باقي أفراد الأسرة من الورثة من سكنى مورثهم ممن يحتاجون للعقار حتى يتم تأمين سكنى لهم يأويهم.
وقال فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن عبدالله الزكري عضو محكمة الاستئناف سابقاً في حديث لـ»الجزيرة»: إن البيت الذي يأوي إليه أفراد الأسرة ضروري للم شملها، ووجود السكينة لديهم بتوفره غالباً، وهو من نعم الله العظيمة التي نردد شكره عليها إذ آوانا وكفانا فكم ممن لا مُؤْوِي له ولا مأوى يلم شمله مع بقية أفراد أسرته، ولذا فإن غالب الآباء والأمهات يبذلون قصارى جهدهم لتوفير السكن المناسب لاستقرار الأسرة وتلبية حاجاتها، وهو في مجتمعاتنا الهاجس والهم الأكبر لدى الناس، وتكتمل طمأنينة الأسرة بتملكها له، وغالب مدخرات وكسب الزوجين يذهب لتأمينه وتهيئته، وقد يفاجأ الأجل مالك المنزل الزوج أو الزوجة، وينتقل الورثة أفراد الأسرة إلى قرار حاسم في بقاء المنزل ملكاً لهم ويستمر عيشهم في كنفه إلى أن يستغني جميع أفراد الأسرة عن البقاء فيه، أو يصطلح من يحتاج لسكناه والبقاء فيه مع بقية الورثة ليكون المنزل من نصيبه أو نصيبهم في الميراث ويأخذ بقية الورثة نصيبهم من أموال أخرى عقارات أو غيرها، ويحصل أحياناً أن يدخل في الميراث بعض أفراد العائلة الذين يسكنونه كوالدي الميت أو إخوانه وغيرهم ممن شرع الله لهم نصيبا في الميراث، وهي قسمة عادلة من الخالق اللطيف الرحيم العليم، وتقسيماتها الدقيقة من معجزات شريعتنا العظيمة وتدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وما أرسل به، واستقر إجماع المسلمين على العمل بما بينه علماؤنا من أحكام الميراث وأنصبة الورثة وكيفية قسمتها.
وأوضح الدكتور عبدالمحسن الزكري أن المجتمعات الإسلامية كانت تعيش حالة راقية من التآلف والتكافل الاجتماعي، وكانت أيضاً حياة الناس بسيطة يكفيهم ما يسترهم ويقيم أودهم، ثم دخلت المجتمعات الإسلامية كغيرها من المجتمعات في أطوار وأحوال من الترف والشح وصعوبة الحياة عند فقد المقومات الأساسية للعيش الكريم، وخاصة في البلدان والمدن التي انتعشت فيها الحضارة المادية، وتركت الحياة الفطرية السهلة الميسر؛ فكثرت في هذا العصر حتى في بلادنا حالات إخراج بعض الأبناء لوالدتهم من منزل الأسرة الذي اقتناه لهم، والدهم وزوج والدتهم!!، بل ربما كان يقيم معهم الجد والجدة والدا الأب مورثهم فيتم إخراجهم من منزل الأسرة وتشريدهم، إلى غير ذلك من المآسي التي يطلع عليها قضاة الأحوال الشخصية ونحوهم من المحامين والجمعيات الاجتماعية ذات العلاقة، وقد يلجأ البعض ليتوقى وقوع ورثته في هذه الخلافات بينهم أو مع وارث لم يكن مقيما معهم إلى حيل مشروعة ولكن آثارها سلبية ربما أكثر مما لو لم يتخذ تلك السبل، ومنها هبته للمسكن لأولاده أو زوجته أو جعله وقفاً أو وصية إلى أن يستغني جميع أفراد أسرته المقيمين فيه إلى غير ذلك.
وشدد القاضي الزكري على أنه عند اطلاعه على عدد من الحالات المأساوية مما يتوجب اجتهاد العلماء في ابتكار حلول شرعية تكفل الأمن الاجتماعي والنفسي للأسرة وتحقيق مقصد عائلها من اقتنائه المنزل لها، مع المحافظة على ما قررته الشريعة من حقوق للورثة، مشيراً إلى أن هناك حالات تخرج من محل طرحنا وهي إذا كانت التركة كافية ليفي نصيب المحتاجين للسكن ليكون من نصيبهم، وكذا لو كان هذا السكن زائداً عن حاجتهم وبإمكانهم الانتقال إلى سكن آخر يفي باحتياج مثلهم، ويبقى محل البحث إذا كان باقي أفراد الأسرة من الورثة يحتاجون للعقار الذي اختاره مورثهم سكناً لهم ولا يفي نصيبهم منها بقيمته، ولا يمكنهم توفير بديل لهم بأموالهم أو نصيبهم بعد قسمة التركة.
ورأى القاضي الدكتور عبدالمحسن الزكري إلى أنه يمكن أن يكون حلاً من خلال اجتهاد فقهي معتبر أن يتم إقرارهم فيه إلى حين استغنائهم عنه، أو يتم تقييمه عليهم ويكون دينا عليهم إلى ميسرة، أو يلزم طالب القسمة بتوفير سكن بديل مناسب لمثلهم بنصيبهم من الميراث ويزد ما نقص من قيمة السكن البديل بقرض حسن من طالب القسمة أو تبرع منه، مؤكداً بأن التفصيل في هذا الموضوع يطول سواء من حيث القصص والوقائع المؤلمة التي تحصل، أو من حيث مجالات الاجتهاد الفقهي والآراء والمقترحات المتاحة، ولذا أطرحه موضوع نقاش لذوي الاختصاص لنصل إلى تنظيم عاجل وعادل وموافق لما قررته الشريعة وعلماء الأمة، والله الموفق.