ما أصعب أن تنطفئ الشمعة التي تضيء المكان الذي نسكنه ونستمتع فيه، فإذا انطفأت ساد الظلام المخيف. هي كذا الدنيا شموع تنطفئ وبعدها يسود الظلام على من كان يستنير بذلك النور.
وهم بعض البشر الذين ينيرون لنا الدنيا بوجودهم بعد الله وعند رحيلهم يسود الحزن علينا بفقدهم وفقد نورهم، ليس لنا حول ولا قوة في ذلك فأمر الله نافذ لا محالة علينا جميعاً.
بشر خلقهم الله كي ينيروا لغيرهم بنورهم الذي وهبه الله لهم من سماحةٍ وطيبةٍ وخلقٍ ومحبةٍ زرعها الله لهم في قلوب الآخرين، لن يدوموا في الحياة فالباقي وجهه الكريم، ولكن ستبقى ذكراهم وسيبقى ذكرهم العطر.
بالأمس انطفأت شمعة من الشموع التي كانت تضيء لنا الدنيا بنورها وعطفها وحنانها وكرمها، نعم انطفأت تلك الشمعة التي وهبها الله محبة الناس القريب والبعيد ليس لشيء ولكن لما تميزت به من جمال روحها وغزارة عطفها وحنانها على كل من حولها، كانت تحرص على أن تعطي وتقدم مما وهبه الله لها من خير ورزق للقريب والبعيد وكانت تحث أبناءها وبناتها على فعل الخير ومساعدة المحتاجين.
تلك الشمعة كانت نورة بنت إبراهيم الطاسان التي فقدها وسيفقدها الكثير من القريب والبعيد، عرفتها عن قُرب منذ أكثر من 22 سنة بعد أن من الله علي بأن تزوجت إحدى حفيداتها وما أجملها من معرفة، فقد رأيت وتعلمت منها أسمى معاني المحبة والطيبة والعطف والحنان، كنت أزورها بين الفينة والأخرى وكنت أستمتع بحديثها الشيق وطلتها الباهرة وسؤالها عني وعن أبنائي ووالدتي التي ارتبطت بها قرابةً وعمراً، كان لا يخرج من يزورها إلا وقد شرحت صدره بدعواتها الصادقة له.
حرصت بعد وفاة زوجها الخال صالح الزامل رحمه الله ان يبقى بيتها عامراً كما كان، وبفضل من الله وبما رزقها الله من أبناء وبنات وأحفاد وحفيدات وضيوف يجتمعون في بيتها يومياً تؤنسهم ويؤنسونها ويتبادلون أطراف الحديث الذي لا يُمل معها ببشاشة وجهها المنير ورحابة صدرها للجميع، كانت تنصح وتدعو لكل من يزورها، كانت مدرسة بالأخلاق والرقي والأدب والعطف والكرم لا يخرج منها إلا الكلام العطر، كان وجهها يُشع نوراً لم أره في حياتي الا نادراً كما رأيته في وجهها وروحها فسبحان من وهبها واصطفاها بذلك النور، نور يضيء المكان والنفس والروح والقلب.
خالتي ووالدتي رحلت عن هذه الدنيا الفانية ولكن ستبقين في قلوبنا وعقولنا لن ننساك فنور قلبك باق فينا ولن ننسى تلك الابتسامة التي كانت تزرع فينا الراحة والسعادة.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم ان يتغمدك بواسع رحمته وأن يجمعك ووالديك وأبناءك وبناتك ومحبيك في الفردوس الأعلى من الجنة وان ينير قبرها بنوره ويجعله روضة من رياض الجنة، وان يلهمنا الصبر والسلوان ويجبر كسر قلوبنا على فراقك.
وأخيراً... إنا على فراقك لمحزونون.
** **
- بدر بن محمد المالك