د. شاهر النهاري
على نبع العين تقابلنا، شابة حسناء يافعة أنهت عقدها الثاني، وهي تعلم أن خطابها كثر، وأن مهرها تاج جوهر ثقافة وعقد رصانة لغة، وخاتم أيقونات فنون، وحلق يحلق فوق سماء كل بديع وغريب وعميق ومدهش.
عرفتها منذ سنواتها الأولى وكنت شاباً أحلم بالاقتران بدنيا الحسن وشرف السمعة الطيبة، وأن أختار عيناً أتغزل بها، ونبع حنان أشرب منه، وأحتضن جيد من يستحق أن أكتب الأشعار وأخط الرسائل له، هائم حول هالة بريقها، أخصها بأنقى ما يليق بصفاء جيد وعنفوان وشباب وجود، وقيمة معاني.
نعم فقبلها كنت لعوباً أكتب نفسي في معظم صحف ومجلات العالم العربي، ولكني وبكل احترام وهيبة كنت أخصها بما أعتبره بوحاً شفافاً، وبما أقتنع به من معاني الرقة وعمق الثقافة، متأكداً أن ما أنشره في كل زاوية يحمل السرعة، والحدث، والسياسة، والمجتمع، على عكس ما أخطه على ضفائرها بتأني مشاعر العاشق، وخفتها، وكم أختار لها من أنفاسي الأرق والأعمق، بمعرفة أنها ذواقة تستحلي الأدب، وتعيش روعة المعاني، وتدهش الأحبة، وتخاطب العواطف، وتستثير العقول، ولا ترضيها الوجبات السريعة، وهي من تعجن وتخبز بيدها، وتحلب بيمينها، ومن تحمل الأيقونات بخفة وثقل على رفوف المكاتب، وبين زجاجات المتاحف، لزمن قادم وأجيال ستقرأ، وتعرف قدر من كتبوا غزلاً فيها، ومن باحوا، ومن عرفوا الفروق.
حينما أستعرض بوحي لها، أجده مختلفاً مؤثراً، يجعلني أشعر بقيمة ما كتبت، وبتأثير الجذب والوجود، عند محبي الثقافة، ومن يتوقفون عند مقامات البديع، ويرحلون متعة بين كثبان الماضي، فلا وجود حاليا لسوق عكاظ، ولا يتم ترتيب رحلات لوادي عبقر، ما يجعلها تطل في عيني وتظل كل ذلك، صحيفة ثقافة تقتنى، وتسهر بين الأيدي في ليالي الشتاء الناعسة، وترقص بالأعين الصيفية، وبين زهور الربيع، ولكنها لا تذبل في الخريف، ولا تحملها رياح البرد أوراق ذهب مهشمة، لأنها تبقى جذوة الكانون، وجمر الشوق، وحنان المشروب الساخن، ولذة رعشة الثلج.
عقدان من الزمن وهي نفس حمرة خد ورقة خصر الشابة، التي خطبتها، ولا أظن أن مرور الأيام تكسوها بالشحوب، ولا ألوان التجاعيد، ولا انحناء الظهر، فتظل تسحرنا بمحتواها، ونظرتها الباسمة، وعصابة بالفل على جبينها، تظل تشعرنا بالبديع والقوة والمتانة، والتنوع، والفكر، الذي يرحل، ولا يثني الجناح، بين عقول مهاجرة في مناطق الأصالة، وحقول تفتح الأزهار تستمر على مدى الإبداع، والرقي، والتمكن.
قصة عشق، والتقاء، وحنين على نبع صافي، لما لا يجف، ونداء مطار لكل جمال، ورصانة تبتسم، ولا تعبس، وتحكي ولا من يقاطعها، حتى ولو تباينت أثارها بين أساطير الأولين، وبين ثوابت العلوم، وتقدمها، ولكل عاشق لها غصنه، ولكل عشه، ولكل بيضته، التي ينتظر ساعة تشقق قشرتها، ليطير منشرحا بين حدائق حرية الإنسان، وعدالة الأوطان، وعلو أغصان الفكر، ولو تحدر، فلن يجد إلا الجذع المتين، يغرس وجوده في الأرض الطيبة، ويطلق من أغصانه أزهار الحب والحسن، والتكامل.
فشكرا لمن صنع مهرجان الجمال بجريدة الجزيرة الثقافية، وشكرا لكل من عشقها مثلي، وغنى لها أغنية السحر، بجانب النبع الشفيف، وكل من لون فيها ولو زهرة صغيرة، ولكل من احتفل معها بعيدها العشرين.