محسن علي السهيمي
فواتح الألفية الميلادية الثالثة صافحَ أكف الأدباءِ والمثقفين ملحقٌ ثقافيٌّ أنيقٌ (شكلاً ومضمونًا) قدمتْهُ صحيفةُ الجزيرة لقرائها، وجاء يحمل مسمى (المجلة الثقافية). المفارقة أن مجيء المجلة الثقافية كان في فترة ظهرت فيها إرهاصات تحول القراء -ومنهم الأدباء والمثقفون- عن الصحف الورقية إلى الشبكة العنكبوتية التي كانت تتقدم بثبات بمنتدياتها الأدبية وساحاتها الثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها، وهو الأمر الذي يجعل من نجاح فكرة إخراج ملحقٍ ورقيٍّ ثقافيٍّ محلَّ شكٍّ. مع هذا ظهر ملحق «الجزيرة» الثقافي (المجلة الثقافية)، فَلَفَتَتِ المجلةُ بشكلها الأنيق ومضمونها القيم إليها أنظار الأدباء والمثقفين وأغرتهم بمتابعتها فتشوفوا للكتابة فيها. وحيث إنني تعرفت على الملاحق الأدبية الثقافية منذ العام (1404هـ) من خلال (ملحق الأربعاء الثقافي) الذي كانت تصدره صحيفة المدينة فقد تملكتني الغبطة بصدور المجلة الثقافية بوصفها ملحقًا يُعنى بالأدب والثقافة ويعزز رسالة ملحق الأربعاء وغيره فتتعاضد جميعها على الرقي بالأدب والثقافة وإبراز قيمة المثقف. ما كدر غبطتي هو أن صحف مدينة الرياض (الجزيرة - التي تُصدر المجلة الثقافية - والرياض) لم تكن تصل محافظتنا محافظة العُرْضِيات - أقصى جنوب منطقة مكة- على العكس من صحف مدينة جدة (المدينة وعكاظ والبلاد) التي دخلت إلى محافظتنا منذ العام (1403هـ) وهو ما جعل صحيفتَي (الجزيرة والرياض) تواصلان الغياب عن المحافظة اللهم إلا لدى (المشتركين) الذين كانت الصحيفتان تصلهم لكن (في اليوم التالي)، وكان من المشتركين الذين يصلهم اشتراك الجزيرة في اليوم التالي رجل الأعمال الشيخ سعد بن دغسان القرني، ولذلك كنت أترقب -أسبوعيًا- صدور المجلة الثقافية في بدايات صدورها عام (2003م)؛ لأحظى بها عندما تصله مع صحيفة الجزيرة، خصوصًا وأنه ممن يقدِّر الثقافة والمثقفين ويعلم شغفي بالمجلة الثقافية فيحتفظ بها حتى أمر على مكتبه في صيدليته وآخذها. ثم إن موزع الصحف بعد ذلك استطاب فكرة إحضار صحيفتَي الجزيرة والرياض ووضعهما مع الصحف حتى وهما متأخرتان عنها يومًا كاملاً، ولذلك أراحتني هذه الخطوة حيث كنت أشتري الجزيرة بمجلتها من المكتبة أو البقالة عندما تصلنا في اليوم التالي لصدورها، ومع هذا فالموزع أحيانًا لا يُحضر الجزيرة والرياض لمحافظتنا ويتوقف توزيعهما في بلدة (ناوان) على بُعد (70)كم وهو ما يجعلنأذهب إلى ناوان لشراء صحيفة الجزيرة بمجلتها الثقافية متى غابت عن محافظتنا، ثم في السنوات الأخيرة أصبحت الجزيرة والرياض تصلان محافظتنا في يوم صدورهما بدلاً من اليوم التالي وهو ما جعل الحصول على المجلة الثقافية في يوم صدورها أمرًا ميسورًا، ثم كان تحول الصحف إلى عالم التقنية وهو ما سهل وصولها جميعها لجهاز القارئ لحظة صدورها. ما يجدر ذكره في حكاياتي مع المجلة الثقافية أنها -فضلاً عن إثرائها الساحة الأدبية والثقافية والفكرية- أسهمت بنشر عدد من قصائدي على صفحاتها خلال مسيرتها، وقبل سنوات أرسلت لها قصيدة ولكن نشرها تأخر كثيرًا، وكنت كلما سألت عنها يقال لي بأنها تنتظر دورها، وهو ما جعلني أبعث للمشرف عليها الدكتور إبراهيم التركي بخطاب معاتبة -إلكتروني- مصحوبًا بالقصيدة، وفيه قلت: إن كنت ترى أن القصيدة تستحق النشر فتتكرم بنشرها وإن كانت لا تستحق فضعها في أقرب سلة مهملات، فكان التجاوب عاجلاً حين رد بكل ذوق وأثنى على القصيدة وقال إنها تستحق النشر وستكون في العدد القادم، وقد أوفى بما قال، كذلك عرفت المجلة الثقافية بإصداراتي جميعها، وقرأ الأديب سعد البواردي من خلال (صومعته الفكرية) ديواني (وجه الصباح) قراءة ناقدة موسعة على صفحاتها. وفي الفترة الأخيرة نشرت لي المجلة الثقافية عددًا من المقالات والمداخلات حول بعض القضايا الأدبية والثقافية، ولا تزال تفتح صفحاتها لكل مبدع يسلك مسلك الإبداع والجَمال ويُثري المشهد الأدبي والثقافي بفكره ونتاجه الإبداعي. ما يَلفت الانتباه في مسيرة المجلة الثقافية -خلال العقدين المنصرمين من عمرها الطويل- هو صمودها في وجه عاصفة (التصحر الثقافي) التي ضربت الأدب والثقافة فانفض أكثر الأدباء والمثقفين عن موائد الإبداع، وغربت شمس الملاحق الثقافية (الشاملة)، ولكن المجلة الثقافية في صحيفة الجزيرة -بهمة مشرفها وشغف محرريها- حملت الراية فخفقت فعاد الأدباء والمثقفون ليلتفوا حولها ويتنفسوا من خلالها ويحتفوا بها وينثروا إبداعهم على صفحاتها. وكل عام ومجلتنا الثقافية تحلق عاليًا في فضاء الإبداع الأدبي والثقافي والفكري.