تبلغُ المجلةُ الثقافيةُ العددَ (700) في حين تختفي أكثرُ الملاحق الثقافية، وهذا الاستمرارُ والصمودُ في مواجهةِ التحولاتِ التقنيةِ المتسارعةِ يرجعُ -في رأيي- إلى عواملَ منها: عمقُ وتنوِّعُ محتواها، واهتمامُها بأطيافِ الكُتَّابِ والقراء، وشمولُها فنونًا أدبيةً متعددةً؛ مِن الشعرِ، والقصةِ، والمقالةِ، والدراسةِ الأدبيةِ والنقديةِ، ومراجعةِ الكتبِ، والفنِّ التشكيلي، والفوتوغرافي، واحتفاؤها برموزِ الثقافةِ الأدبِ.
ومن عواملِ بقائها قدرتُها على المواكبةِ، وتوظيفُ التقنيةِ لصالحِها؛ بنشرِ محتواها عبرَ وسائلِ التواصلِ، وتسهيلُ تداولِها عَبْرَ صيغة الـ(pdf)، التي تجعلها مقروءةً عبر الشاشةِ على نحوٍ قريبٍ من صورتها الورقية.
ومما أبقى المجلةَ الثقافيةَ في الزَّمَنِ الصَّعبِ قدرتُها على المواكبة، وتأقلُمها مع التغيراتِ التي تطرأ على حياة القراء؛ وخيرُ مثالٍ على ذلك تغييرُها مواعيدَ صدورِها؛ فقد كانت تصدرُ كلَّ يومِ اثنين، ثمتحوَّل صدورُها إلى يومِ الخميس، تبعًا لإجازة القراء، فلما أصبحَ يومُ الخميسِ يومَ عملٍ تحوَّلَ صدورُها إلى يومِ إجازتِهم الجديدِ؛ السبت.
ومن أهمِّ أسبابِ صمودِها إدارتُها المتميزة التي لا تنحازُ لتيارٍ أدبيٍّ على حسابِ تيارٍ آخر، فحافظتْ على توازنها بنشرِ كتاباتٍ متنوعةٍ مِن أطيافٍ مختلفةٍ، ولم يكن هذا أمرًا عَجَبًا فهو يأتي منسجمًا مع شخصيةِ رئيسِ تحريرها الدكتور إبراهيم التركي؛ المعتدَلِ في تعاطيه مع الاختلافاتِ الثقافية؛ بوصفها ظاهرةً صحيةً يُنتظرُ منها أن تؤدي إلى تفاعُلٍ ثقافيٍّ واجتماعيٍّ إيجابي. وهذا التوازنُ الرائعُ جعلَ المجلةَ الثقافيةَ صلةً بين الأدباءِ والمثقفين على امتدادِ الوطن، ومنتدىً أسبوعيًا أتاحَ لهم التواصلَ الثقافي بمختلفِ مواقعهم، واتجاهاتهم الفكريةِ والأدبيةِ، وبمختلفِ أعمارهم.
ولقد نشرتُ في المجلةِ الثقافيةِ خلالَ سنواتِها العشرين، عشراتِ القصصِ، وعديدَ المقالاتِ الأدبيةِ، أحتفظُ بصفحاتها وأطالعُها كلَّما عُدْتُ أبحثُ عن موضوعٍ أو قصةٍ في أرشيفِ منشوراتي، فأجدُ صفحاتِ المجلةِ الثقافيةِ تعيدُني إلى زمنِ نشرِ المقالةِ أو القصةِ، وتَرَقُّبِ صدورِها، وسروري بإخراجها المميز؛ وأشهدُ أني ما بعثتُ إليها قصةً أو مقالةً فقُوْبِلَتْ بالإهمالِ أو التجاهل.
والمجلةُ الثقافيةُ وإن صدرتْ في عِطْفِ جريدةٍ يوميةٍ إلا أنها مستقلةٌ؛ تكتبُ فيها أهمُّ الأقلامِ الأدبيةِ من داخلِ المملكةِ وخارجها، ولها قراؤها الذين انتظروها وقرأوها بشغفٍ على مدى عشرين عامًا. قراءٌ يدركُ أكثرُهم ما يحيطُ النشرَ الثقافيَّ من متاعب؛ وإيمانُهم بالجُهدِ الكبيرِ الذي يبذلُه محررو المجلةِ الثقافيةِ هو ذاتُه ما يمنحهم الأملَ بأن يمتدَّ عمرُها أمدًا بعيدًا.
** **
- إبراهيم مضواح الألمعي