تظل الفكرة مجردة ما لم يتأسس واقعها، وتأخذ حيزها، لتشكل بالحضور بصمتها، معلنة عن ولادتها وتطلعها لحياتها التي قد تطول أو تقصر وفق ما يكتنفها من رعاية واهتمام، وفي عالم الأعمال والإنجاز ليس من الصعوبة بمكان الانطلاق من الفكرة إلى الوجود، لكن الصعوبة الحقيقية أن يكون الوجود ممتدا والنمو مستمرا والإنجاز متصاعدا والأثر متسعا، والألق يزداد من عاماً إلى عام؛ وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه دون تضحية وجهد وسهر وتصميم وإرادة من فولاذ تدك الصعاب، وتفتح الأبواب لتشرق في موعد إطلالتها للمتطلعين لها، الشغوفين بها، المسافرين معها في رحلة الجمال التواق للاكتمال، واليوم تخطو (ثقافيتنا بصحيفة الجزيرة) نحو عامها العشرين في عددها رقم سبعمائة، وهما رقمان مدهشان ؛ فالعشرون سن العنفوان، طموح الشباب وجموحه، مضرب للمثل لدى الشعراء، ولله در الشاعر أحمد النجفي إذ يقول:
سني بروحي لابعد سنين
فلأسخرن غدا من التسعين
عمري إلى السبعين يمضي مسرعا
والروح ثابتة على العشرين
ولا غرابة فروح ابن العشرين فتية متوثبة، طموحة متطلعة، رشيقة متجددة، جميلة متأنقة، ألم يقل الشاعر:
وعبير الورد يعطرها
فأراها بنت العشرين
ولئن كان لسن العشرين ألقه وجماله، فإن للرقم (سبعة) عجائب وغرائب لا تنتهي، رقم له سحره ودلالاته، في مناحي شتى تعود لعمق سحيق من الزمن وإرث قديم عبر التاريخ، فللرقم سبعة جلاله في ديننا وعباداتنا فالسموات سبع، والطواف أشواطه سبعة ...الخ وهو حاضر في الكون والحياة فألوان الطيف سبعة ودرجات السلم الموسيقى سبع، والثقافية تحتفل بعددها رقم سبعة مضروبا في مائة ليشكل العدد رقم سبعمائة في عامها العشرين؛ فمن أي مصادفة نتعجب؟، وعن أي جمال نتحدث؟. ومع أي عنفوان سنحلق؟ وعن أي إنجاز سنكتب؟!
ما أعظم الإنجاز للإنسان!
في رحلة الإعمار للأوطان
هذي (الثقافة) في (الجزيرة) أزهرت
رقمان في الإنجاز يعتنقان
ولئن بلغت الثقافية عنفوانها في العشرين، فإن التحدي الحقيقي لفريق عملها عامة وأخص منهم االصديقين القريبين الدكتور إبراهيم التركي والأستاذ محمد الرويلي الاستمرار بقوة متنامية، وطموح متصاعد وصولا لبلوغ البنيان أشده في عمر الأربعين، ولا أخالهم إلا ماضين نحو أهدافهم بذات القوة المدعمة بخبرة العقدين الماضيين لتبقى الثقافية واحة جمال تعزز انبثاق الفكرة وتنثر دهشة الإبداع وتنشر عبير الكلمات، وتحدث بأن الرجال تعرف بإنجازاتها المتوالية مدى الأعوام والسنوات.
** **
- د. سعد بن سعيد الرفاعي