في أحد تطوراتي الجنينية وقعتُ - كبذرة أدبية - من شتلة القدر، قررت التجول في شوارع المدينة الثقافية على سبيل التعلم والنجاة، تأملت أروقة الأدب وتعرفت على بعض أهل الثقافة والفكر، وعزمت على أن أُحرك مجاديفي، فكتبت أول مقال «النقد فن الحكمة والتخبط» وبعثته بشكل رسمي لصفحة «اتصل بنا» للصحف الورقية آنذاك، ولم أستلم أي رد، حتى فاجأني أحد الأصدقاء بإرسال رابط المقال بصحيفة الشرق2014، توالت المقالات فعُرفت بكاتبة رأي، وفي 2018 طبعت الرواية الأولى، فحملت لقب روائية، يتخلل هذه الرحلة لفحات من قصيدة النثر أستريح بها من متاعب الأرض و(قضاءات) السماء، فسمّاني بعض القرّاء شاعرة، وعندما أنهيتُ قصتي الأولى في 2021، فوجئت بشح الجدران الشاغرة لتعليق القصص، وقوانين النشر في الملاحق الثقافية.
عُدت من جديد أطرق أبواب الصحف، فقصدت الصحف السعودية لإيماني بالتعاضد العضوي بين الكاتب والمؤسسة الثقافية الوطنية، لكنني وجدت قوانين النشر القصصي لا تستوعب «عيني على نعش» القصة الموصوفة بالطويلة! وتساءلت عن أمكنة لنشر الإنتاج الأدبي - تحديدًا - فالمشتغل في الشأن الثقافي والصحفي يدرك أن شارع الأدب لا يعدو مخرجًا طارئًا في الصحيفة الإعلامية الجامعة لأخبار: العالم، الاقتصاد، الرياضة، الرأي، المحليات وغيرها من الصفحات، بيد أن الثقافة عالم مُنسابٌ على حياة الإنسان ومترامي الجغرافيا، وهنا تكمن الحاجة للملاحق والمجلات الثقافية لاحتواء هذه الشلالات الأدبية بشتى مظاهرها، فجاءت تجربتي مع فريق المجلة الثقافية مُحفزة وداعمة للاستمرارية، من حيث التفاعل الإيجابي مع الكاتب/ة وجودة الاختيار والتوجيه المناسب لما يخدم الثقافة واحترافية التواصل البناء.
فقد تواصلت مع الدكتور إبراهيم التركي، مدير تحرير المجلة الثقافية، الذي تفهم حاجة الأديب وسعى لتقريب الخُطى بالمجلة، فوافق على نشر القصة شريطة تجزئتها إلى أربعة أجزاء، عندها شعرت أن المجلة بيت العائلة الدافئ الذي يتفهم اختلافات الأبناء ويحاول التجسير بقدر المستطاع لكسب وجودهم المُثري، فلقد كسبت ثقة جدارٍ ثقافيٍ قدّمني للعالم القرائي كقاصة للمرة الأولى، ولهذا وقعه النفسي على المبدع قبل أي شيء آخر، لأنه أكثر من يعرف قدر الثقة الأولى، فقد منحتني المجلة الثقافية الصادرة على صحيفة الجزيرة السعودية لقب «قاصة» وهذا شرف أضيفه في رف حياتي الأدبية.
اليوم وبمناسبة هذه الاحتفائية بدخول المجلة عامها العشرين، وصدور العدد الـ ???، يسرني أن أخبرها بأنه أثناء تصفحي لتجربتي المقالية وقعت عيني على مقالي الأول «النقد فن الحكمة والتخبط» منشورًا في صحيفة الجزيرة 2014 باسمي آنذاك «رجاء محمد»، إنه توكيد على أن الجزيرة آمنت بي فكريًا منذ لحظتي المقالية الأولى وقبل أن تعرفني الثقافة بـ»رجاء البوعلي». لا شك أنها وثيقة ثمينة في العلاقات الثقافية المبنية على جودة الفكرة واحترافية اكتشاف الطاقات الإبداعية ونزاهة الاختيار وتقريب القيمة الإضافية للمؤسسة الثقافية رغبةً في إثراء الصحافة وضخها بالتنوع الإبداعي.
** **
- رجاء البوعلي