لم يبرح ذواكرَنا ذكرُ المجلات العريقة التي تتلمذ عليها كبار أساتذتنا، كانوا يقتبسون منها، ويحيلون إليها، ويثنون عليها، وعلى كتابها، وكم نصحوا بمطالعة كتبهم التي كانت بعض ما كتبوا فيها، أو صنوه، ولما كان بعضها قد توقف، أو تغير منهجه ونشاطه، فقد بحثنا عن غيرها مما كان في زمننا، كالعربي والعربية والمنهل والفيصل، لتعوضنا عن الرسالة والمقتطف والهلال...
وما تزال المجلات الجادة تجذر أثرها في متلقيها، وتؤدي رسالتها، وتحقق أهدافها، ليذكرها الجيل بعد الجيل، ويتناولها الدارسون، فتكون موادها نوى لكتب، وأفكارًا لأبحاث، وسجلاًّ لأحداث، ترصد من خلالها الظواهر، وتحصر المظاهر، موثقة بالتاريخ، ومدعَّمة بالشواهد والمشاهد والصور.
وخلال ما يقارب عشرين سنة مضت كانت (الثقافية) واحدة من أبرز المجلات الجادة، تستمد قوتها من تنوع منضبط، وكتاب متميزين، وهيئة تحرير واعية ملتزمة، تقدر لمسؤولية الثقافة قدرها، وللجيل حقَّه، وتستشعر الواجب نحو النشء والمجتمع.
ولم تقف عوائق النشر حائلاً عن أداء الرسالة، وإذا تراجع حظ الورق شقت طريقها في وسائط أخرى، واتخذت في الرقمية مكانًا، وفي وسائل التواصل عنوانًا، فظلت تصافح أعين المتلقين وقلوبهم، وتخاطبهم مشاعرهم وأفكارهم، ولم تغب أو تتوار انزواءً كما كان حظ بعض النظيرات!
سيبقى الأصيل، ويصلح الله عمل المخلص، ويبارك الله ما ينفع الناس، وأما الزبد فيذهب جفاءً.
** **
- أ. د. فريد بن عبد العزيز الزامل السليم