حاوره - محمد هليل الرويلي:
ضمن مواد هذا العدد، بمناسبة صدور العدد 700 - كما اعتدنا أن نقدم في كل مئوية، يتزامن قريبًا دخول «الثقافية» عامها الهجري العشرين. إذ صدرت في (29 - 12 - 1423)، تقدم الثقافية هذه المقابلة الخاصة مع أحد أقدم كتابها، بل لم يكتب لغيرها، وما زال - حفظه الله - يمد الثقافية بزاويته «مداخلات لغوية» المهتمة باللغة وعلوم النحو.. وقد طرحنا على أستاذنا (أ. د. أبو أوس إبراهيم الشمسان)، عددًا من المحاور حول هذه العلاقة ونشأتها وأبرز المواقف والقضايا... فقال: فاجأني أحد أبنائي الطلاب، وهو الآن الأستاذ علي بن سعد القحطاني، وكان يعمل في صحيفة الجزيرة عملًا جزئيًا، فاجأني برغبته في إجراء حوار معي، ودار الحوار حول شؤون لغوية مختلفة منها مفهوم الفصاحة، ونشر الحوار في عددين من أعداد المجلة الثقافية، العدد 29 في الاثنين 25 رجب 1424هـ، والعدد 30 في الاثنين 3 شعبان 1424هـ، ثم عاد الأستاذ علي في السنة التي تلتها ليجري حوارًا آخر عن مقومات الكتاب الجامعي، ونشر في عددين، العدد 65 في الاثنين 10 جمادى الأولى 1425هـ، والعدد 66 في الاثنين 17 جمادى الأولى 1425هـ.
وفي يوم حدثني الأستاذ علي عن الدكتور إبراهيم التركي رئيس تحرير المجلة الثقافية، قال لي إنه يعرفك، فانتهزت الفرصة لنشر موضوع طويل كان نشره بالغ الأهمية عندي، وهو «تنوين المنصوب أعَلى الحرف يرسم أم على الألف؟»، فقلت للأستاذ علي أن يستأذن الدكتور في ذلك، وهكذا كان، فقد نشر، وخرج في صفحتين متقابلتين من صفحات المجلة الثقافية، في العدد 133، في 10 ذي القعدة 1426هـ.
وتابع: ونقل إليّ الأستاذ علي بعد ذلك دعوة الدكتور التركي للكتابة في المجلة الثقافية، فقلت له سأفكر في الأمر. لم يكن أمر الكتابة لهذه المجلة بالأمر الهين، إذ كان كتابها متميزين وكانت الموضوعات عميقة جادة فأنى لمثلي أن يحشر نفسه بين هؤلاء، وكان يوم اضطررت إلى زيارة مدارس رياض نجد، استأذنت لمقابلة مدير المدارس لأمر يخص ابنتي التي تدرس في تلك المدارس، قابلت شابًا رائعًا استقبلني فأحسن استقبالي، واشتكيت فأشكاني من غير تردد، لم أعرفه ولم يعرفني في تلك المقابلة، ولكن عرفت بعدها أنه الدكتور إبراهيم التركي، ثم إني عدت إليه بعدها فكرر دعوته فوافقت على شريطة أن يكون صريحًا معي كل الصراحة، وذلك أن يطلب مني التوقف متى رأى ذلك، فلم أكن أريد أن أكون كَلًّا على المجلة ولا على قرائها.
وقال الدكتور الشمسان مستعيدًا بداية نشر أول مقال في الثقافية: بدأت الكتابة، ولعل أول موضوع هو «اسم الإشارة لا محل له من الإعراب»، في العدد 216، في الاثنين 5 رمضان 1428هـ، كان من سعادتي أن اجتهاداتي ومحاولاتي وجدت قبولًا عند القراء بما وجدته من ردودهم وتوقفهم في بعض ما أكتبه، ومن أبرز ذلك ما كتبه ابني الدكتور علي المعيوف، كتب «وحدة الظاهرة اللغوية وتعدّد تفسيرها» في العدد 265 الاثنين 8 محرم 1430هـ، وكتبت لذلك جوابًا «المعطوف على قول المعيوف»، في العدد 266، في الاثنين 15 محرم 1430هـ، وكتب «هل تشرق شمس البحث في نحو اللغة من جديد؟» في العدد 270، في 14 صفر1430هـ، وهو قراءة شاملة لجملة مداخلاتي في المجلة، فأجبت بالمداخلة «جواب بالمعروف عن ملحوظات المعيوف»، في العدد 271، في الاثنين 21 صفر 1430هـ.
وكان الوجل يعرض لي أن تكون كتابة مملة مرغوب عنها؛ نقلت ذلك إلى الدكتور إبراهيم التركي؛ ولكن كان من لطفه ونبل خلقه أنه شجعني بقوله إن لكتاباتك قراءها.
وزاد: وجدت نفسي أكتب في ثلاثة محاور أولها قضايا اللغة نحوها وصرفها والثاني أعلام اللغة والأدب والثقافة من أساتذتي أو غيرهم، أعلام عرفتهم فأحببت نقل ذلك لقرائي، والثالث عن كتب لغوية أو أدبية أو تاريخية أو ثقافية أطمع أن القارئ سيجد متعة باطلاعه على قراءة تزوي له مضمون الكتاب وقد تشجعه على قراءة الكتاب، أذكر أني حين كتبت عن رواية (النجدي) اتصل بي الدكتور راضي الرويلي يسأل عنها وكيف يحصل عليها.
وفي معرض إجابة له على سؤال للثقافية يدور حول العلاقة الطردية التي جمعته طوال هذه المدة بينه وبين الصحيفة والباحثين والقراء والمهتمين بزاويته فقال: علمتني الثقافية الالتزام بكتابة موضوع ينشر في تاريخ محدد، وعلمتني أن القراء لهم من التخير ما يجعلهم يقبلون على زاوية أو يدبرون عنها؛ وذلك مرهون بجودة المحتوى، واحترام عقل القارئ، فكان علي أن أكتب في موضوعات قصيرة يسهل متابعتها، وكان على توثيق ما أكتب. أعلم أن ما أكتب قد يكون تخصصيًّا مغرقًا في التخصص ولكني أعلم أيضًا أن المجلة موجهة لطائفة كبيرة من القراء منهم العلماء والمتعلمون والمثقفون الذين يهمهم أمر اللغة وقضاياها فهم يقرؤون وإن وجدوا عنتًا في بعض ذلك، وكان أن راجعني الدكتور التركي في أمر بعض الكلم غير المألوف في لغتنا المعاصرة فكان من جوابي له أن اللغة تحيا وتموت بالاستعمال وأن من واجبنا أبناءها أن نحيي كلمها بالاستعمال، إذ لغتنا كنز هائل هو رصيد قرون متتابعة فإذا تأملنا ما نستعمله من هذا الكنز ألفيناه قليلًا، تأمل استعمالنا تجده يكرر ألفاظًا قليلة ويهدر طائفة من الألفاظ الدالة على تنوع الأشياء وتعدد الصفات وتباين الأحوال، لا غرو أن تغير الحياة الاجتماعية أودى بطائفة من الكلم المعبرة عن أحوال تغيرت وشؤون غودرت فغابت ثقافة الصحراء بأحيائها ونباتاتها ونسيت عادات المجتمع القديم وأعرافه.
وبعد سنوات رأيت أنه اجتمع لدي قدر صالح من المداخلات وخطر في بالي أن أنشرها في كتب تسيرًا للاطلاع عليها مجتمعة، وفي لقاء مع أستاذنا العلامة أ. د. سعد عبدالعزيز مصلوح، اقترح عليّ أن أنشر مداخلاتي في كتب، وكانت هذه شهادة منه في صلاحها للنشر، وانتهزت الفرصة فرجوته أن يكتب للكتاب مقدمة، وهكذا فعل، فخرج القسم الأول من المداخلات في الكتب «مسائل نحوية»، و»مسائل لغوية» و»شهادات ومتابعات».
هكذا علمتني المجلة الثقافية كيف أكتب بعض الكتب بيسر وسهولة فقد صرت أجمع مداخلات كل عامين في كتاب، وهكذا نشرت الكتب: «من شجون اللغة» (نادي القصيم الأدبي/ بريدة، 1438هـ). «شؤون لغوية» (نادي الجوف الأدبي والثقافي/ سكاكا، 1440هـ). «مقال وكتب ورجال» (د. ن./ الرياض، 1442هـ /2020 م).
تحية للمجلة الثقافية لرئيس تحريرها الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي للقائمين على إعدادها وإخراجها للقراء. بارك الله في جهودهم جميعًا ووفقهم.