تبدو العلاقة بين الصحافة والأدب وثيقة خلال عدة عقود سابقة منذ بداية القرن التاسع عشر فلا يستغني أحدهما عن الآخر، ولا شك أن دور الصحافة تاريخياً في نشر الأدب بشكل عام، والرواية بشكل خاص كان جلياً، وما زالت الصفحات الثقافية تزخر بالقصص والقصائد ومقالات النقد الأدبي والفني والحوارات الثقافية إلا أن نشر الروايات أصبح نادراً في السنوات الأخيرة.
وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الرواية المسلسلة عبر الصحافة الأوربية قبل عقود كانت كالضيف المدلل الذي يشغل الصفحات الأساسية، فجريدة الفيغارو الفرنسية على سبيل المثال كانت تملأ جدران باريس ومدناً أخرى بملصقات عن مواعيد نشر رواية على حلقات باعتبار ذلك حدثاً ينتظره القراء، وبذلك تصل الأعمال الروائية إلى القارئ عبر الجريدة قبل أن تجد طريقها إلى الناشر، ومن أشهر تلك الروايات.. رواية (الفرسان الثلاثة) التي صنعت نجومية الكاتب الفرنسي ألكسندر دوما، ورواية (الكابتن فراكاس) للكاتب تيوفيل غوتيه، وعرفت بعض الروايات طريقها إلى السينما والتلفاز والمسرح بفضل حضورها في الصحافة، كما ترجم بعضها إلى لغات أخرى، وقد أقدمت الصحافة العربية على خوض التجربة ومن أشهرها مجلة الهلال التي نشرت بعض روايات جرجي زيدان، وبعض روايات نجيب محفوظ والتي من أهمها رواية ( أولاد حارتنا ) التي لم تستكمل النشر بسبب اعتراض بعض المشايخ على مضمونها «1».
أما الصحافة السعودية التي بدأت متأخرة عن الصحافة في بعض البلدان العربية، حيث لم تولد إلا عام 1343هـ 1924م من خلال جريدة أم القرى، ثم تبعها العديد من صحف الأفراد التي كان زادها الأدب مقالة وشعراً وقصة ورواية فقد نشرت مجلة المنهل رواية (أميرة الحب ) لمحمد زارع إلا أن نشر الرواية كانت بين حين وحين ما جعل الكاتب الأردني: نسيم الصمادي يصدر كتاباً في بداية الثمانينات بعنوان (الفراغ الروائي في الأدب السعودي).
وقد مررت بتجربة جميلة مع صحيفة الجزيرة حيث نشرت لي روايتي الأولى
(الخروج إلى الكهف) عام 1997م في عشر حلقات على عشرة أسابيع، ثم نشرت لي بعد ذلك رواية (أنثى تشطر القبيلة) عام 1998م خلال ثمانية أسابيع، واستفدت الكثير من نشر الروايتين صحفياً حيث كانت تصلني ردود القراء على كل حلقة، وبعد نهاية النشر الصحفي طلب مني نادي القصة السعودي نشر رواية (أنثى تشطر القبيلة) ونشرت عام 2002م
ولا أعتقد أن نشر الروايات في الصحافة الورقية سيكون له أي وجود في المستقبل بسبب تطور النشر اٌلكتروني وسهولته، وفي ظل التوقع باختفاء الصحف الورقية نفسها، ولأن ما نلحظه اليوم من التحول المتطور والمتسارع في النشر الإلكتروني يؤكد ما أذهب إليه، ثم إن الرواية الورقية نفسها تواجه بعض التراجع في الآونة الأخيرة بسبب التحولات السريعة في نمط الحياة، ووجود بدائل ثقافية أكثر جماهيرية كالسينما ومسارح الفن.
... ... ... ... ...
هامش
1 - الأدب والصحافة تذكرة ذهاب وإياب - محمد الوزاني - صحيفة العرب - 11ابريل 2020م
** **
- إبراهيم شحبي