تزامناً مع صدور العدد (700) من الجريدة الثقافية واقترابها من الوصول إلى عامها العشرين بدا لي أن أتحدث عنها في كلمات لا تفيها حقها، ولا تعبر عن جمال حضورها في مشهدنا الثقافي.
وبداية أشير إلى أنها اتخذت منذ نشأتها مساراً محدداً ومختلفاً، اختارت لنفسها أن تحيط بثقافة بلادنا كما تحيط القلادة بالعنق، انفتحت على الفنون والآداب، وكانت منبراً احتضن مختلف الأجيال والفنون. ننتظر صدورها في نهاية كل أسبوع؛ لنتابع إبداعات أساتذتنا وزملائنا وطلابنا. واكبت التطورات الثقافية والمعرفية في مشهدنا الثقافي، فاحتضنت الرواد، ودعمت الشباب، واهتماماتها شملت مناطق المملكة كلها عبر شبكة من المراسلين المهتمين بالشأن الثقافي.
كان وراء ذلك هيئة تحرير مثقفة مهمومة بالشأن الثقافي، منفتحة على مختلف الأطياف المعتدلة، ومارست الحياد الإيجابي، فكانت بحق أيقونة الثقافة السعودية وقلادتها.
والمهتم بالتعرّف إلى الثقافة والآداب في بلادنا خلال المرحلة السابقة حسبه الاطلاع على الأعداد التي صدرت منها في تلك المرحلة، فهي مرآة لثقافتنا وآدابنا. ومن هنا كانت جزءاً أصيلاً من مشهدنا الثقافي، فهي تؤثِّر في ثقافة المجتمع، وتتأثر بها.
من الجميل أن النشر فيها متاح لكل من يمتلك ما يقوله في الشأن الثقافي، فأبوابها مشرعة دائماً للجميع، طالما أن ما ينشره لا يمس ثوابت الوطن الغالي، ومن هنا نجدها قد اتسمت بالتنوع والشمول والواقعية والمصداقية.
وفي هذه المرحلة نطمح منها الكثير، فهي ما زالت شابة حيوية متجددة، تفيض في كل أسبوع على متابعيها بالجديد والمفيد، واللافت أن مقالاتها وموادها تبدأ مساء الخميس بالإزهار في تويتر، ونجد التفاعل الواضح مع موادها من المثقفين والمتابعين، وتظهر التعليقات الثرية على ما تنشر من فكر رصين واع، وهذا يحسب لهيئة التحرير الموقرة، التي أيقنت أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في الوصول إلى القراء، فهي جزء منهم، وهم جزء منها.
وشخصياً أسعد كثيراً بقراءة ما يكتبه جيل الشباب، إذ تشهد صفحاتها استقطاباً واضحاً لهم، فهم روح الثقافة، وروادها مستقبلاً، وهي بذلك تجاوزت فكرة حصر الثقافة والنشر في جيل واحد، ومجال واحد، فالساحة تتسع للجميع؛ وهذا الأمر أكسبها مزيداً من الانتشار والمصداقية، فحافظت على أصالتها، وانفتحت على التحديث والتجديد.
جهود حثيثة تبذل من سعادة مدير التحرير وهيئة التحرير والمراسلين في مناطق المملكة المختلفة.
ولجريدة الثقافية من عنوانها نصيب، فهي الثقافية بحق: تنوع وشمول وانفتاح على مختلف الآداب والفنون والمعارف، غاصت في أعماق ثقافة المجتمع، ونقلت لنا تجارب الأدباء والمثقفين، وكونت قاعدة عريضة من المتابعين والكتاب، وأصبح المثقفون يشعرون أنهم شركاء لها، في بناء ثقافة أصيلة ومتجددة في الوقت ذاته.
نشعر للحظات أنها نزلت إلى الواقع الثقافي، لكنها في الواقع ارتقت بالمشهد الثقافي، إذ أقامت معه علاقة تبادلية بدقة متناهية مرسومة بعمق، مع حفاظها على الثوابت.
تعد -كما أشرت- صورة واقعية لمشهدنا الثقافي، وهي شاهد على مراحل تطور ثقافة مجتمعنا في مجال الآداب والفنون، متابعة دقيقة للأنشطة الثقافية في بلادنا، من خلال المراسلين المنتشرين في شتى بقاع بلادنا، مقالات أسبوعية متنوعة، ومحاور متنوعة، وملفات عميقة، يجد المثقف فيها ضالته، وشخصياً أشعر بالقرب منها؛ لقربها من المثقفين وانفتاحها الواعي على الجميع.
تمنياتي لها بمزيد من النجاح والتقدم؛ لنحتفل معها بإنجازاتها القادمة المتواصلة.
** **
أ.د. علي بن محمد الحمود - الأستاذ في كلية اللغة العربية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.