- 1 -
صدر العدد الأول من (ثقافية الجزيرة) في شهر مارس من عام 2003م متشبّعاً بالرغبة في خلق أداة صحفية فاعلة لصالح المشهد الثقافي، وقد كشف الدكتور إبراهيم التركي في عددها الثاني (10 مارس 2003م) أنّها كانت في الأصل فكرة لرئيس التحرير الأستاذ خالد المالك، أراد لها أن تكون «مجلة ثقافية شاملة منوعة، تستوقف الناقد والشاعر والروائي والمسرحي والتشكيلي والتراثي، من المتخصصين ومن الشداة، ومن المتمكنين مثلما الهواة، ومن قارئ الثقافة كما قارئ الرياضة والاقتصاد والمحليات».
واليوم تحتفي (الثقافية) بعامها التاسع عشر، وبعددها الذي يحمل الرقم (700)، وبأرشيف كبير من المقالات والتحقيقات والتقارير والأخبار والملفات، وبقائمة طويلة طويلة من الكُتّاب، بعضهم لم يُعرف كاتباً إلا من خلالها.
- 2 -
عرفتُ (الثقافية) قارئاً مع صدور عددها الأول، وارتبطتُ بها كاتباً بداية من عام 2009م، وكنت خلال هذه المدة الطويلة ألحظ حرصها على تأسيس أعراف صحفية منسجمة مع الهمّ الثقافي، ومنحازة إلى قلقه ومسؤولياته، من ذلك – على سبيل المثال - :
1- عدم تحيزها لاتجاه فكري معين أو شكل أدبي أو رؤية ثقافية، بل كانت حريصة على إتاحة المجال لجميع الأصوات ما دامت مناسبة للنشر، ومعبرة عن هم ثقافي؛ لذلك تجاورت في (الثقافية) أسماء كبيرة لم تتجاور من قبل، وظهرت الفكرة وضدها في حوارات مباشرة مرّة وفي مواد متوازية مرّات.
2- حرصها على التكامل مع الأقسام والملاحق الثقافية في الصحف الأخرى، فمثلاً حين تولى أحد الصحفيين الإشراف على ملحق ثقافي في صحيفة محلية، استهلّ عمله بالإعلان عن تحدّ للملاحق الثقافية عامة، ولثقافية الجزيرة بوجهٍ خاص، فما كان من (الثقافية) إلا أن نشرت التحدي نصاً، وأشادت بتجربة الملحق المنافس، وعدّدت أسماء الذين تعاقبوا على الإشراف عليه ووصفتهم بالتميز، ثم ختمت هذه المادة بقولها:
«والثقافية إذ تهنئ الزميل العزيز وتتمنى له التوفيق في مشواره الجديد، تؤكد أهمية المنافسة في سبيل ما ينفع ويثري ساحتنا الثقافية، ويرتقي بمستوى أطروحاتها، كما تعلن قبولها صيغة التكامل ولا نقول التحدي».
3- الإثراء المستمر والتطوير، ففي الوقت الذي كنا نشهد فيه تعثّر ملاحق ثقافية محلية وعربية، أو انكماش صفحاتها، أو تراجع محتواها، أو تناقص كُتّابها، كانت (الثقافية) تتسع بكمّ الصفحات، وتتنوع في المحتوى، مخالفة الاتجاه العام الذي يفرض على الصحافة والصحافة الورقية والثقافية منها تحديداً الكثيرَ من التحديات الصعبة.
4- تكريم رموز الفكر والثقافة والأدب محلياً وعربياً، ويكفي أن أشير – على سبيل المثال – إلى الملفات التي أعدتها عن غازي القصيبي ومحمود درويش وعبدالله الغذامي وآخرين؛ إذ أصبحت هذه الملفات فيما بعد مرجعاً للباحثين في المنجز الأدبي والنقدي لهؤلاء. يقول محمود درويش معلقاً على الملف الذي أعدته (الثقافية) عن تجربته الشعرية: «سألت نفسي، وأنا أتصفح عدد مجلتكم الثقافية المكرَّس لي: هل مِتُّ ولم أنتبه؟ وسرعان ما انتشلتني من هذا السؤال القراءة المتأنيةُ للمقالات والشهادات الخارجة عن المألوف، والتي جدَّدت إيماني بأن الحُبّ ما زال ممكناً، وبأن الشعر ما زال ضرورياً».
5- الاهتمام بالفنون التي لم تنل حقها في الصحافة الثقافية المحلية، ويكفي أن أشير إلى صفحاتها المخصّصة – منذ عددها الأول - لـ (التشكيل) و(المسرح)، واهتمامها الكبير بعد ذلك بالترجمة، في مواد موسّعة نشرتها في صفحة تحمل اسم (ترجمات).
- 3 -
أعي جيداً حجم التحديات التي تحيط بعملٍ كهذا، وأعي جيداً أن إمكانية استمراره مهددة من كلّ جانب، لكن جميع هذه التحديات لم تفلح حتى هذه الساعة في زعزعة قناعة مؤسسة الجزيرة بأهمية دعم (الثقافية)، ولم تنجح في استدراج هذا الملف إلى منطقة الحسابات المعروفة في كثير من المؤسسات الصحفية، وقد قوّى قناعة المؤسسة بأهمية هذا الدعم وأهمية استمراره وجودُ فريق واعٍ في إدارتها والإشراف عليها قادر على خدمتها بالمستحيل قبل الممكن.
شكراً للأستاذ خالد المالك صاحب الفكرة والداعم الأول والدائم لـ (الثقافية)، وشكراً للدكتور إبراهيم التركي الذي وضع عصارة تجربته وخلاصة علاقاته في خدمتها، وضمن لها هذا التقدم المستمر.. شكراً للزملاء والزميلات الذي قدموا لها الكثير كتّاباً وأدباء وفنانين ومحررين..
أشعر بصعوبة أن أكتب عن هؤلاء من خلالهم، لكنني وجدتها فرصةً مناسبةً لقول بعض ما يجب.
** **
- د. خالد الرفاعي