د. عيد بن مسعود الجهني
الفقر فيه إذلال للنفس البشرية، بل إنه قهر لتلك النفس الطيبة لأنه يعد فعلاً أكبر الجرائم في العصر الذي زاد فيه ثراء الأغنياء وتدنى فيه دخل الطبقة الوسطى لتنضم إلى قطار الفقراء.
هؤلاء البشر الذين تسلط عليهم الفقر سبب لهم في حياتهم تعاسة بالغة، فسرق منهم جهارا نهارا حريتهم وكرامتهم وإنسانيتهم، هذا لأن البطون الجائعة ليس لها آذان تسمع بها، فالفقر كالوحش الكاسر الذي لا نجاة لضحيته منه، وكيف يرى إنسان جائعاً محتاجاً للقمة العيش ولا يجدها إذا كان فيه ذرة رحمة، وقد يذرف الدموع الحارة على خديه من منظر فيه كل عناصر الإذلال والأذى للنفس البشرية.
ومنذ عام 2003 سقوط عاصمة الرشيد هبت عاصفة الفقر على بعض الديار العربية، في تلك العاصمة لدولة عربية تعد من أغنى الدول العربية بل والعالم يحتضن نهري دجلة والفرات تجعل منها سلة غذاء لها وللدول العربية، ناهيك بحيرة النفط التي ترقد عليها أكثر من ( 147 ) مليار برميل.
كانت يوماً يعيش أهلها رغداً من العيش ورفاه وعزة وكرامة، لكن تبدل الحال ليعيش أهلها فوضى عارمة تقاسمتها مع بعض الدول العربية فسيطر الفقر والجوع وزميلتهما البطالة على الشعب العراقي الشقيق.
الإعلام الغربي نقل بعض صور العراقيين وهم يخطون صوب تجميع (القمامة) ليلتقطوا لقمة يأكلونها فمن كان يصدق أن هذا البلد الغني بالثروات يشحذ بعض أهله لقمته، بينما الفاسدين فيه يعيشون بثرواتها سرقة ونهباً ليلاً ونهاراً.
هذا حال بلاد الرافدين وليس حال لبنان الشقيق بعيداً عن تلك الحال، فهذا البلد الذي كان باريس الشرق الأوسط بلغ البؤس والفقر بأهله أن يقدم أحدهم على حرق نفسه وآخر على الانتحار والسبب عدم قدرة الرجلين على شراء طعام لأسرتيهما فأيديهما لا تحمل نقوداً.
وحال بلاد الشام واليمن وليبيا والسودان وأفغانستان الذي نقل لنا الإعلام الغربي كيف أن مواطنين من ذلك البلد المسلم اضطروا لبيع أطفالهم مقابل مبالغ زهيدة تبدأ بـ 200 دولار من أجل البطون الجائعة، ومسلمي ماينمار الفارين، فتلك الديار العربية والإسلامية أصبحت مركزاً للفوضى والنزاعات والحروب الأهلية وهي من أهم معوقات التنمية المستدامة، تستنزف الموارد الكثيرة.
ومما يؤكد الفساد وتسببه بجريمة الفقر أن الدول العربية رغم غناها في الثروات الطبيعية، وعلى رغم أن كمية تلك الثروات يفترض أن تجعل مستوى الفقر في تلك البلدان من أقل المستويات في العالم، يبقى مواطن من كل خمسة مواطنين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم حسب مصادر البنك الدولي الخاصة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومع ذلك فإن نسبة الفقر في بعضها تلامس 27 في المئة وتقفز في البعض الآخر إلى 30 في المئة، وفي فلسطين المحتلة تبلغ 76 في المئة.
وطبقاً لتقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي نشرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن ( 52 ) مليون نسمة من العرب يعانون من سوء التغذية، أما نسبة الأمية فإنها أكثر من 46 في المئة من السكان، ويبلغ عدد الأميين من بين البالغين العرب حوالي 65 مليون إنسان تمثل النساء الثلثين وهي أعلى كثيراً مما هي عليه في بلدان أفقر من الدول العربية طبقاً لتقرير التنمية الإنسانية العربية.
وطبقاً لتقرير أصدره البنك الدولي بعنوان الفقر والرخاء المشترك، حل معضلة الفقر يتبين أن منطقتنا العربية هي الوحيدة في العالم للأسف التي ارتفع فيها معدل الفقر المدقع مما أدى إلى ازدياد عدد الفقراء، ومن جانبها أوضحت أرقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) أن نسبة سكان المنطقة ممن يحصلون على أقل من 1.25 دولار يومياً ارتفعت من 4.1 إلى 7.4 في المئة.
أما حال العالم الإسلام فحدث ولا حرج فالأرقام التي لا تكذب تقول إن 37 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر وهذا معناه أن ( 504 ) ملايين فقراء مقدعين في بلاد العرب والمسلمين الذين يزحف عددهم ليبلغ المليارين من البشر.
وإذا أخذنا جائحة كورونا في عين الاعتبار ومدى ما خلفته وما سيحدث للاقتصادات في القطاعين العام والخاص لأدركنا أن عدد الفقراء والجياع ومعهما البطالة سيزداد لا محالة وهذا يؤكده تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الصادر في يناير 2021 الذي توقع أن يرتفع عدد الفقراء الجدد بسبب الجائحة إلى ما بين 119 و 124 مليوناً، وبالطبع الدول العربية والإسلامية من ضمن منظومة دول المجتمع الدولي ولها نصيبها من تلك الأرقام المخيفة.
إذا الفقر وحش كاسر وفيه قهر للإنسان وحريته وكرامته وإذلاله ليقبل بما لا يمكنه قبوله لو كان حراً في اختياره.
ويمكن لدولنا العربية والإسلامية إذا توحدت أن تقتل الفقر {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} ( آل عمران 103 )، فالاتحاد قوة والتناحر ضعف.
وأمتنا دائماً قوية، قد تكبو لكنها تقوم سريعاً من كبوتها.
ومن المهم وضع الخطط والإستراتيجيات محدودة المدة للتصدي للفقر والجوع.
فمن الممكن الحد منه كثيراً وإن كان من المستحيل القضاء عليه في خطة إستراتيجية واحدة.
المهم البدء بخطوة الألف ميل.
وصدق أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه الذي ينسب البعض إليه هذا القول: (لو كان الجوع رجلاً لقتلته).
والله ولي التوفيق،،،