حَبيبٌ عَنِ الأحبابِ شطّتْ بهِ النّوَى
وأيُّ حَبيبٍ ما أتَى دونَهُ البُعْدُ
ما أجمل بالإنسان أن يزرع الجميل وينفع الغير ويحبه الناس إلى أن يتوارى عن الأنظار ويغيب غياباً أبدياً؛ وهذا هو حال الأستاذ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الرشيد «أبو ناصر» الذي توفي صباح يوم الجمعة 1443/3/9هـ، وأديت صلاة الميت عليه بعد العصر في جامع الحزم بمحافظة حريملاء، ثم ووري جثمانه الطاهر في مقبرة «صفية» بحريملاء تغمده المولى بواسع رحمته ومغفرته.
ولقد كانت إطلالته على الدنيا مولوداً في حريملاء عام 1361هـ، وعاش بين والديه ومع إخوته وعند بلوغه سن الدراسة التحق بالمدرسة الابتدائية في حريملاء إلى أن تخرج منها عام 1377هـ، ويعد من الدفعة الثالثة، ثم انتقل بعد ذلك مع عددٍ من زملائه إلى الرياض مواصلاً دراسته في معهد المعلمين حتى تخرج من المعهد، وبعد ذلك عُين مدرساً بمدرسة حريملاء الابتدائية التي كنت مشرفاً عليها بجانب عملي مديراً لمعهد المعلمين.
وبعد فترة من الزمن عمل مديراً لمكتب الضمان الاجتماعي بحريملاء، وبعدها انتقل إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بالرياض، ثم انتقل مديراً للضمان الاجتماعي في وادي الدواسر، وبعد ذلك مديراً للمكتب الرئيسي للضمان الاجتماعي بمحافظة بلجرشي، وبعد ذلك استبد به الحنين إلى العودة إلى محافظة حريملاء بلد أجداده وآبائه:
الْمَرْء يسرحُ فِي الْآفَاق مغترباً
ونفسه أبداً تتوق إلى الوطنِ
ثم بعد ذلك انتقل مديراً لمكتب وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية لشؤون الضمان إلى أن تقاعد حميدةٌ أيامه ولياليه، وكان طيلة عمله مثالاً للإخلاص والأمانة والعطف على المساكين والمحتاجين والأرامل وإنهاء معاملاتهم، وذلك بحكم عمله في الضمان الاجتماعي:
فَأعمل لِنَفسِكَ قبلَ مَوتِهاَ ذِكرَها
فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني
وله جهود واهتمامات في رعاية غابات الشعيب، إضافة إلى اهتمامه بكهف (قطَار الشعبة) الذي يعد من المنتزهات السياحية بمحافظة حريملاء، حيث يشتهر بتدفق المياه منه عبر الشقوق على مدار العام، وتَكوُّن الشلالات الجميلة أثناء تساقط الأمطار، فهو منظر يحلو للعين ويبهج النفوس، وقد كان الآباء والأجداد قديماً يعدونه مكاناً لصيد الوعول والضباء والطيور. كما قام رحمه الله بالمساهمة في إعادة تأهيل عدد من (القِلاتٌ) المعروفة بشعيب حريملاء التي تجتمع فيها المياه بعد هطول الأمطار المنحدرة من قمم جبال طويق، واكتشافه دحلاً كبيراً مشهوراً بالشعيب سمي (دحل ابن رشيد) وأصبح معلماً ومزاراً للسياح.
ولنا مع «أبوناصر» ذكريات جميلة لا تغيب عن الخاطر حيث كنا نقوم ببعض الرحلات في شعيب حريملاء، ولنا مع والده وشقيقه عبدالله ذكريات جميلة -رحمهم الله- فهم من أسرة كريمة وقد دعاني منذ عقود طويلة لتناول طعام العشاء في منزلهم بحضور والده -رحمه الله- في ذاك «الروشن» بالدور الثاني المحلى بإحدى جوانبه بهذين البيتين:
ألا يَا دارُ لا يَدْخُلكِ حزنٌ
ولَا يغدُرْ بصاحبِكِ الزمانُ
فِنعمَ الدّارُ تأوي كلّ ضيفٍ
إذَا ما ضَاقَ بالضيفِ المكانُ
وقد سبقه شقيقه الأستاذ عبدالله إلى الدار الآخرة منذ عامين - رحمهما الله - وقد تتابع الحزن على شقيقهما الأستاذ سعد؛ وكأني به يردد في خاطره معنى هذا البيت:
أُخيَّينِ كنَّا، فرَّقَ الدهرُ بينَنا
إلى الأَمدِ الأَقْصى، وَمَن يَأْمَن الدَّهْرا
تغمده المولى بواسع رحمته وألهم أخاه سعد وشقيقته وابنيه: ناصر وعادل، وشقيقتهم وعقيلته أم ناصر، وجميع أسرة الرشيد الصبر والسلوان.
سَتَبقى لَكم في مُضمَر القَلبِ والحَشا
سَريرَةُ ودٍّ يَومَ تُبلى السَرائِرُ
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء