عطية محمد عطية عقيلان
يعتبر الأمريكي تشارلز بونزي من أشهر المحتالين في الولايات المتحدة، وجذب المستثمرين بإغوائهم بالأرباح السريعة التي تتجاوز 45 % خلال 45 يوماً، وتطميعهم بالثراء السريع مطبقاً «النصاب خرب بيت الطماع»، واستطاع أن يحقق عوائد مالية تقدر بـ7 ملايين دولار عام 1920م، والتي تساوي قيمتها اليوم عشرات الأضعاف، وكانت طريقته تعتمد على توزيع الأرباح المجزية من أموال المستثمرين الجدد «تلبيس الطواقي»، وتصدرت أخباره الصحافة بما يقدمه من أرباح فلكية، ليلفت الأنظار عليه ويبدأ التقصي عنه، وينكشف خداعه ونصبه على الناس، وانتهى به المطاف في السجن ومات وهو في فقر مدقع رغم ما جمعه من أموال، وأصبح يطلق على مثل هذا النوع من الاحتيال «نظام بونزي» القائم على تدوير المال بين المستثمرين دون وجود تجارة أو عمل حقيقي على أرض الواقع سوى نقلها وتوزيع أرباح وهمية مغرية، وشهدنا قصصاً لنا أو من حولنا سواء للمساهمات العقارية أو التجارية وفي النهاية يتضح عدم وجود تجارة حقيقية إنما هي لعبة قائمة على نفس مبدأ نظام بونزي، كما حدث مع شركات مساهمة في السوق المالي وبعد اكتشاف الفقاعة بالتلاعب في الأرقام، تم وقفها ومنع تداولها، ومن أشهر من طبق نظام بونزي هو المصرفي الأمريكي برنارد مادوف الذي جمع من 4800 شخص أو كيان مبلغ 64 مليار دولار في أكبر عملية نصب واحتيال مالي في العالم عام 2007 و2008، وشملت قائمة عملائه، بنوكاً وممثلين وجمعيات من أكثر من دولة، وألقي القبض عليه ومات في السجن، وقد فلت كثير من مطبقي نظام بونزي أو تلبيس الطواقي نتيجة استمرار المستثمرين والثقة بهم أو عدم رغبتهم في افتضاح أمرهم وسذاجة تصرفاتهم، ولكن نجاح الشخص وقدرته على استثمار هذه الأموال خاصة للمضاربين في سوق الأسهم وتحقيق أرباح وعائد مجزٍ يغطي ما قام به، ويبقي عملهم مستمراً دون افتضاح رغم عدم قانونيته ومشروعيته أو وجود معايير تضمن حقوق المساهمين، ورغم ذلك ينسج قصصا وحكايات بعد نجاحهم عن مدى دهائهم وبراعتهم، ليؤكد مقولة ونسون تشرشل «التاريخ يكتبه المنتصرون».
- فصاحب الميدالية الذهبية سيتغنى بالجهد الذي بذله والتعب والتمارين التي يقوم بها، ولكن عند افتضاح أمره بتناوله المنشطات أو الخداع ينكشف أمره، كما حدث مع الكثير من الرياضيين، وأشهرهم الدراج الأمريكي لانس أرمسترونج الذي فاز بلقب طواف فرنسا 7 مرات من 1999 إلى 2005م، وجرد من ألقابه ومنع مدى الحياة من المشاركة في السباقات، فكم من بطل أو نادٍ متوج فلت من اختبار المنشطات أو التلاعب بالنتائج، وأصبحوا أبطال وسجلوا أسماءهم في التاريخ الرياضي لأن أمرهم لم ينكشف، ولنتذكر ما حدث من فضائح هزت الفيفا بالفساد.
- وذاك الصحفي أو الأديب أو الشاعر، والذي يصبح حديث الناس ويؤلف الكتب والروايات، ولكنه سطا على الفلكلور وجهد الآخرين، وهذا سبب ظهور مصطلح ما يعرف «بالسرقات الأدبية» خاصة لمن يجيدون أكثر من لغة، ويترقى بعضهم إلى درجة الأستاذية بناءً على مؤلفاته المسروقة من جهد الآخرين ولكن لم يكتشف أمرهم.
- ورجل الأعمال العصامي الذي حقق الربح والنجاح ويتحدث عن تعبه وسهر الليالي دون ذكر لمن سانده من أقاربه وقدم له الدعم والتسهيلات البنكية دون وجه حق، وهناك طرفه ذات دلالة عن قصة رجل أعمال يتحدث عن معاناته وكيف أصبح من أصحاب الثروات، فقال كنت فقيراً جداً وتصدق علي شخص بتفاحة قمت ببيعها، واشتريت بثمنها تفاحتين، ومن ثم أصبحت أملك صندوق تفاح، فسألوه كم احتجت لتصبح ثرياً، قال بمجرد أن مات والد زوجتي تاجر التفاح أصبحت من الأغنياء، ليلخص أن لرواية النجاح ألف قصة مقنعة، والفشل يتيم ليس له صاحب، لذا يقول جاك مؤسس علي بابا «إذا كنت تريد أن تكون ناجحاً، فتعلم من أخطاء الآخرين أكثر من قصص نجاحهم».
- وذاك الإعلامي الذي قدم برنامجاً مسروقة قصته وطريقة تنفيذه وحقق النجاح ليتباهى بأفكاره الجريئة ومثابرته، دون خجل من تناقضه وتلونه حسب مصالحه المادية، والممثل الكوميدي الذي يضحك الناس بحركاته التهريجية، ويتحول إلى منظر وصاحب فكر، وكل إرثه الفني مجموعة القفشات والضحكات بلا هدف، والمشهور أو المؤثر الذي استخدم شكله أو طريقة تمايله أو نطقه وأصبح نجم «بالصدفة» لينظَر في جميع مناحي الحياة. لذا عزيزي القارئ، لنتعلم ألا ننبهر من قصص النجاح والتأثير، لأن روايتها ممتعة ومبهرة وجاذبة وتجعلنا نسرح بخيالنا ونتوهم حدوث ذلك معنا، وكما يقال «إذا لم يحصل الأسد على مؤرخ، فإن تاريخ الصيد سوف يمجد الصياد»، ولا نغتر بما نسمع، أو نقرأ، أو نشاهد، وليكن لدينا حكم خاص ومع كل خبر يصلنا، ونطبق أنهم لم يقولوا لنا «صدقنا»، ونختم بمقولة بسمارك «يكثر الكذب عادة قبل الانتخابات وخلال الحرب وبعد الصيد».