أحمد المغلوث
كان محمد يجلس مع أفراد أسرته يتناولون طعام الغداء عندما سمع جرس الباب يرن أكثر من مرة. بسرعة ازدرد اللقمة وركض في اتجاه باب بيتهم دون أن يغسل يده وبيده اليسرى فتح الباب الكبير المزدان برؤوس سوداء وأحدث صريرًا اعتاد على سماعه كلما فتحه أحدهم. وإذا بزميله عبد الرحمن يقول له بود قبل أن يحييه: لا تنسَ سوف نمر عليك بعد صلاة العصر كن مسعداً. لقد قررنا أن نقوم اليوم بمسابقة جريئة والذي يفشل فيها يتحمل عشاء الليلة مندي من مخبز «الشعلان» وكان هذا المخبز الشعبي من أشهر المخابز في مدينتهم واشتهر بإعداد المندي وقبل هذا خبز الأحساء الأحمر الشهير وأضاف عبد الرحمن هيا استعد من الآن وأخبر والدتك أنك سوف تتأخر لأننا بعد المسابقة سوف نذهب للعب الكيرم في دكان أبو عبد العزيز حيث قام مؤخراً بتوسعة دكانه بإضافة إحدى الغرف من بيته لتكون أشبه بقاعة تتسع لأربع طاولات «كيرم» وقال وهو يحسن وضع طاقيته ماذا عليه أن يفعل حين يجد إقبالاً كبيراً من هواة هذه اللعبة المحببة غير التوسعة.. فرد عليه نعم لقد سمعت ذلك من زميلنا سعد صباح اليوم خلال الفسحة.. لكن ما أخبرتني ما هي المسابقة وهل أستطيع المشاركة فيها فرد عليه عبد الرحمن وهو يربت على كتفه بلطف سوف تعرف ذلك عندما نصل جميعنا لعين «الزواوي» وكانت العين من عيون المياه الشهيرة في مدينته المبرز وتقع جنوب سور المدينة.. وقبل أن يستفسر منه أكثر إذا بزميله يعطيه ظهره مودعاً ومؤكداً على الموعد.. كانت الأفكار تمر في مخيلته بسرعة فائقة.
بل إن الوقت أيضاً مر بسرعة وإذا برفقائه جميعهم كانوا معاً في جامع «داود» يؤدون صلاة العصر. وكان هذا المسجد أول مسجد يبنى خارج سور المدينة، وعندما وصلوا إلى العين كانت شمس العصر اللطيفة حملت إليهم وعداً بنجاح مسابقتهم وكان هو أحد ثمانية زملاء في المرحلة الابتدائية اثنان منهم في الصف الرابع والبقية في الصف السادس.. جمعتهم المدرسة الثانية بالمدينة وهي أيضاً كانت خارج السور وكانت عبارة عن قصر كبير يعود لصاحب الجامع وتميز بتعدد أروقته وأدواره والأدوار ويشبه في تصميمه إلى حد كبير مبنى المدرسة الأميرية بالهفوف، ولكن بحجم ومساحة أصغر.. راح حارس العين يرحب بهم وأخبرهم أن والد زميلهم.. لقد سر بعضهم كثيراً بهذا الاهتمام من والد زميلهم عبدالله وراحوا يثنون عليه وعلى والده الكريم ولقد حلموا جميعاً بهذه الساعة أو أكثر التي سوف يستمتعون بها جميعاً. وبعد أن تناولوا الفاكهة واحتسوا الشاي بالنعناع بعد ذلك جاء وقت إعلان المسابقة التي لا يعرفها إلا عبد الله نفسه الذي قال لهم باسماً: إن المسابقة تتمثل في من يستطيع القفز إلى داخل العين والتي كانت عميقة جداً. فسوف يقدم له والدي جائزة ساعة ومن ماركة شهيرة.
والآن علينا أن نستعد ونغير ملابسنا واللي ما عنده سروال سباحة بإمكانه القفز بسرواله العادي.. وابتسم صاحبنا محمد وهو يسمع: للي عنده سروال سباحة.. ها هو إذن يلبس سروال سباحة أمريكي مزدان بالورد أحضره له ابن خالته الذي يعمل في أرامكو عندما عاد قبل شهر من أمريكا. نعم إنه محظوظ سوف يكون متميزاً فلديه سروال «هاف» سباحة.. اصطف الجميع على حافة العين وبدأ العد التنازلي للقفز ولكن كل واحد من الثمانية عندما يتطلع إلى العين العميقة جداً يتراجع إلى الخلف خوفاً.. وفجأة سمعوا صوت محمد وهو يصرخ الحقوني وكان للصوت صدى جاء من أعماق العين. وبسرعة راح الجميع يرددون إنه الفائز إنه الخطير.. لقد كان أكثر منا شجاعة.. ويستحق الساعة.. وعندما صعد عبر سحبه بالحبال.. سمع كلماتهم المباركة وهم يقبلون وجنتيه فرحاً وابتهاجاً.. وكان وجهه مبللا بماء العين والعرق. فقرب من عبدالله وقال هامساً: من هو «اللعين اللي دفعني في العين»..?!