د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يصادف 8 نوفمبر 2021 مناسبة مرور سبعة أعوام على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله مقاليد الحكم ملكا للمملكة العربية السعودية، ويحتفي شعب المملكة والمقيمون على أرضها بهذه المناسبة العزيزة على قلوب هذا الشعب، مقدماً الولاء لملكنا المفدى ولولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان صاحب رؤية المملكة 2030 التي أطلقها في 2016 وهو يواصل إطلاق المبادرات والاستراتيجيات فهو لا يكل ولا يمل من أجل رفعة هذا الوطن وتحقيق إنجاز تلو إنجاز حتى أصبح العالم يتنافس في متابعة أخبار إنجازات المملكة العربية السعودية، وأصبحت السعودية حديث الإعلام العالمي والسياسيين والدبلوماسيين، وبشكل خاص الشركات المستثمرة، حتى أصبحت السعودية وجهة رائدة عالميا بسبب أنها واثقة من قدراتها على الوصول لتحقيق أهدافها الطموحة، بل تجاوزت تحقيق كثير من مستهدفات الرؤية، وهو ما جعل العالم يتسابق على أن تكون له قدم سبق في مشاريعها الحيوية المستقبلية، والسعودية لا تضاهيها دولة في العالم بحكم موقعها الجيوستراتيجي المميز الذي يربط العالم، ما يمثل نقطة جذب، بجانب أنه عمق عربي وإسلامي.
هناك دول خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة مثل ألمانيا واليابان وبريطانيا وفرنسا أصبحت اليابان ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة قبل أن تزيحها الصين وتصبح اليابان المركز الثالث، ثم ألمانيا فبريطانيا وفرنسا، ونتيجة وضع الصين رؤية تنموية طموحة ارتفع ناتجها الإجمالي من 1.5 تريليون عام 2000 إلى 14.1 تريليون ثاني اقتصاد بعد الولايات المتحدة عام 2020 وستكون السعودية المثال الثاني بعد الصين.
تدرك السعودية أن النمو الاقتصادي العالمي ديناميكي، فمجموعة دول السبع كانت تمثل 65 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2000، لكنها حاليا بسبب نمو دول أخرى، وعلى رأسها الصين، أصبح ناتجها 45 في المائة، وحلت محلها مجموعة العشرين التي تسيطر على 90 في المائة من إجمالي الناتج العالمي، بقيمة 82.3 تريليون دولار وفق أرقام 2019 وتملك كذلك 80 في المائة من التجارة العالمية.
والسعودية الدولة العربية الفاعلة الوحيدة التي انضمت إلى هذه المجموعة العالمية في عام 2008، باعتبار أن مجموعة العشرين الأكثر شمولا، باعتبار السعودية أكبر مصدر عالمي للنفط، وأسهمت في إعادة الاستقرار العالمي لسوق الطاقة، والخامسة ضمن المجموعة كأكبر صاحبة احتياطي نقد أجنبي بنحو 440 مليار دولار، والقيمة السوقية للأسواق الخليجية 3.5 تريليون دولار 76.2 في المائة منها للسعودية، والثانية عالميا بين دول (G20) في تقرير التنافسية الرقمية 2021، وأشادت وكالات التصنيف ائتماني العالمية بالأرقام التي تضمنها البيان التمهيدي للميزانية العامة للمملكة العربية السعودية لعام 2022، الأمر الذي يعكس سلامة السياسات الملاية والإصلاحات الهيكلية التي قامت بها الحكومة في ظل رؤية المملكة 2030، ورات وكالة فيتش في تقريرها أن احتفاظ المملكة باحتياطي مالي كبير يعد داعما للتصنيف الائتماني، كما يوفر قدرا كبيرا من المرونة لتيسير احتياجات التمويل العام في ظل عدم استقرار عائدات النفط، وقدرت الوكالة أن يرتفع الاحتياطي على المدى المتوسط، فيما توقعت سابقا استقراره عند مستوى أدنى يبلغ 265 مليار ريال في 2022 – 2023، بدورها عدت وكالة التصنيف موديز خطة الانفاق التي أشارت إليها الحكومة في البيان التمهيدي للميزانية مؤشر تطور إيجابي للتصنيف ائتماني للمملكة.
كما حصلت الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري SRC المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة على تصنيف A وa2 للمدى الطويل لدورها الاستراتيجي المهم في توفير السيولة للتمويل العقاري السكني للأسر السعودية بهدف زيادة التملك إلى 70 في المائة بحلول 2030، بعدما رفعت نسب التملك من 47 في المائة إلى 62.1 في المائة بنهاية عام 2019، حيث كشفت دراسة استندت على بيانات رسمية من صندوق النقد الدولي أن المملكة احتلت مرتبة متقدمة بين دول العالم في نمو نسب التملك بين المواطنين، إذ أظهرت البيانات المتاحة تفوق السعودية على عدة دول ضمن مجموعة العشرين شملت الولايات المتحدة وكندا وتركيا وكوريا الجنوبية وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وأستراليا وبريطانيا، أرجعت الدراسة أسباب هذا نمو التملك إلى الهيكلة الجذرية التي شهدها قطاع الإسكان في السعودية.
ما يشكل الاقتصاد السعودي إضافة مهمة إلى اقتصادات دول مجموعة العشرين الكبرى، أسهمت بشكل مباشر في تطوير اقتصادات المجموعة كافة، من خلال قيادة المملكة لأهم تحالفات في تاريخ صناعة النفط الخام منذ نهاية 2016 وحتى اليوم، كما تلعب دورا في نظام اقتصادي عالمي يسهم في تحقيق هدف المجموعة المتمثل في تشجيع النمو القوي والمتوازن المستدام، وأتت السعودية في 2020 بعد إندونيسيا الذي ناتجها 1.11 تريليون دولار فالسعودية بناتج 779.3 مليار دولار سبقت تركيا الذي تراجع ناتجها إلى 743 مليار دولار.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تحتل السعودية المركز الـ19 بين أكبر اقتصادات العالم والـ16 بين مجموعة العشرين خلال عام 2021 حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية نحو 3.02 تريليون ريال 805 مليارات دولار، وسيشكل الاقتصاد السعودي نحو 0.9 في المائة من الناتج المحلي العالمي المتوقع بلوغه 93.89 تريليون دولار في 2021، وعليه يكون الاقتصاد السعودي أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم العربي خلال عام 2021، وتشير بيانات الصندوق الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي السعودي بالأسعار الجارية سينمو بمعدل يفوق الاقتصاد العالمي، حيث متوقع نموه 15 في المائة عن الناتج البالغ 701 مليار دولار في 2020، (هناك تقديرات أخرى 743) مقابل نمو متوقع للاقتصاد العالمي 11 في المائة عن الناتج البالغ 84.54 تريليون دولار في 2020، وهناك توقعات بنمو الاقتصاد السعودي خلال 2022 السادس في أعلى قائمة تضم 23 اقتصادا، فالمتوقع أن يكون النمو في 2022 نحو 4.8 في المائة للناتج المحلي الإجمالي أو ما يعادل أكثر من ضعف النمو المحسوب تحقيقه في 2021 بنحو 2.3 في المائة، ما يعني أن السعودية تصعد من المرتبة الـ23 التي كانت تحتلها في قائمة نمو الناتج المحلي الإجمالي في 2021 إلى المرتبة السادسة في 2022.
تعد السعودية هي أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، وصفت عالميا على أنها صمام أمان لتوفير إمدادات الخام للأسواق حول العالم، متجاوزة أية عقبات محلية أو خارجية قد تواجهها، إلا أنها بقيت الخيار الأمثل للحفاظ على استقرار سوق الطاقة، ولم تكتف السعودية أن تصبح فقط مصدر لتصدير النفط، لكنها باتت تطور صناعات البتروكيماويات بل تتجه نحو منافسة مجموعة العشرين في تنويع اقتصاداتها، من خلال تحقيق أهداف خططها ومبادراتها المتوالية ضمن رؤية 2030 الهادفة إلى تخفيف الاعتماد الآحادي على مداخيل النفط كمصدر وحيد للإيرادات، من خلال ضخ استثمارات في قطاعات مرتبطة بالتكنولوجيا والصناعة وأيضا في القطاع الزراعي والصحي، وضمن منافستها لمجموعة العشرين صنفت السعودية الثانية عالميا بين دول مجموعة العشرين ضمن تقرير التنافسية الرقمية لعام 2021 الصادر من المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية، وتقدمت السعودية 20 درجة في المؤشر العام مقارنة بعام 2020، كما تقدمت 86 درجة في محور النظام البيئي الرقمي متصدرة دول مجموعة العشرين، وحققت المركز الثالث في محور القدرات الرقمية بين دول مجموعة العشرين، ويمثل التقدم، الريادة الرقمية المستمرة ومحافظتها الدائمة على التقدم في مختلف المؤشرات والمراكز.
أطلقت السعودية في الربع الأول من عام 2021 برنامج تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص (شريك) بهدف تعزيز تنمية ومرونة الاقتصاد عبر زيادة الناتج المحلي الإجمالي وتنويع الاقتصاد.
في خطوة جديدة ضمن مبادرات التحول الاقتصادي في السعودية أطلق الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد في 11 / 10 / 2021 الاستراتيجية الوطنية للاستثمار التي تعد أحد الممكنات الرئيسية لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
هذه الاستراتيجية الوطنية للاستثمار هي ضمن مواصلة الحراك انطلاقا من قول سمو ولي العهد (إن بلادنا تمتلك قدرات استثمارية ضخمة، وسنسعى إلى أن تكون محركا لاقتصادنا وموردا إضافيا لبلادنا) وأضاف أن المملكة تسعى لاستثمار مكامن القوى من موقع استراتيجي وقوة استثمارية وعمق عربي وإسلامي بهدف رفع إسهام القطاع الخاص في الناتج الإجمالي إلى 65 في المائة مرتفعا من 39.3 في 2018 إلى 42.9 في الربع الثاني 2021.
ولدعم القطاع الخاص اتجهت الدولة نحو تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر لتصل إسهاماته إلى 5.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 388 مليار ريال سنويا مقابل 19.7 مليار ريال في 2020، وزيادة الاستثمار المحلي ليصل إلى حوالي 1.7 تريليون ريال سنويا بحلول عام 2030 ليتخطى إجمالي التدفق الاستثماري المحلي والأجنبي 500 مليار دولار سنويا.
ومن المتوقع ارتفاع نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي للسعودية من 22 في المائة في 2019 إلى 30 في المائة في عام 2030 الأمر الذي سيسهم في وصول الاقتصاد السعودي لقائمة الكبار على مستوى العالم، وبلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية الإجمالية بنهاية الربع من 2021 نحو 2.256 تريليون ريال.
لذلك أعلنت السعودية في أبريل 2021 عن ضخ استثمارات تفوق 12 تريليون ريال في الاقتصاد المحلي حتى 2030 تتضمن 5 تريليونات ريال من مبادرات ومشاريع برنامج شريك، و3 تريليونات ريال من صندوق الاستثمارات مخصصة للاستثمارات المحلية، و4 تريليونات ريال من استثمارات الشركات تحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، بجانب ضخ الحكومة 10 تريليونات ريال من الانفاق من خلال الميزانية العامة للدولة خلال العشر سنوات القادمة، و5 تريليونات ريال يتم ضخها من خلال الانفاق الاستهلاكي الخاص لنفس الفترة ليشكل إجمالي الإنفاق ما يقارب 27 تريليون ريال حتى عام 2030، باعتبار أن الاستثمار يشكل عنصرا جوهريا ومحوريا في منظومة النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة تحت مظلة رؤية المملكة 2030.تتجه الدولة نحو دعم الشركات المحلية وتمكينها للوصول إلى حجم استثمارات محلية تصل إلى 5 تريليونات ريال بنهاية 2030، لأن السعودية ستشهد قفزة خلال السنوات المقبلة في الاستثمارات بواقع 3 تريليونات ريال يقوم بضخها صندوق الاستثمارات العامة حتى 2030 بالإضافة إلى 4 تريليونات ريال سيتم ضخها تحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للاستثمارات.
حتى تتمكن الشركات الخاصة من زيادة نسبة الصادرات غير النفطية من 16 في المائة إلى 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لتتمكن من توفير فرص وظيفية لخفض معدل البطالة إلى 7 في المائة، لأن استراتيجية الاستثمار ستدعم كفاءة تنافسية الاقتصاد السعودي دوليا حتى تتمكن من تبؤ المركز الـ15 على مستوى العالم، حيث ارتفعت نسبة الصادرات غير النفطية في يونيو 2021 بنسبة 40 في المائة عن ذات الشهر من عام 2020 إلى 23.5 مليار ريال 21 مليارا للتصدير و2.5 مليارات لإعادة التصدير.
لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق في المرحلة المقبلة من الاستراتيجية الوطنية للاستثمار التي يجب أن تشمل تطوير خطط استثمارية تفصيلية للقطاعات التي منها على سبيل المثال، قطاعات الصناعة، والطاقة المتجددة، والنقل والخدمات اللوجستية، والسياحة، والبنية التحتية الرقمية، والرعاية الصحية، وتحقيق تلك الأهداف من خلال تضافر الجهود ومشاركة عدد من الجهات، مثل صندوق الاستثمارات العامة، في الاستثمار في المملكة وفق استراتيجية، وإسهام القطاع الخاص، من خلال إسهام الشركات السعودية الكبرى بالمزيد من الاستثمارات الوطنية، من خلال برنامج شريك، بالإضافة إلى استثمارات القطاع الخاص الأخرى والاستثمارات الأجنبية.
أكد صندوق النقد الدولي أن الإصلاحات الطموحة في إطار رؤية 2030 أسهمت في دعم الاقتصاد السعودي على اجتياز تداعيات الأزمة المزدوجة من جائحة فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط بنجاح لافتا إلى أن الاقتصاد دخل معترك الجائحة مسلحا بنمو غير نفطي قوي وهوامش أمان قوية وزخم إيجابي في مختلف مجالات الإصلاح، هناك تحول استراتيجي أعلى معدل لنمو القطاع غير النفطي خلال 7 سنوات.
الاستراتيجية السعودية للاستثمار ستجعل المملكة محركا اقتصاديا عالميا، وستدفع بالتنمية الاقتصادية على الصعيد الوطني، وعلى صعيد المنطقة العربية، وهي استراتيجية تحضر لمرحلة ما بعد النفط، حيث يتوقع أن تحدث طفرة في الاقتصاد السعودي بناء على ما تحقق في الفترة الماضية شجع على ارتفاع طموحات المملكة.
والطموحات الجديدة استقطاب استثمارات أجنبية، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة، بهدف جذب مزيد من الشركات المتعددة الجنسيات، خصوصا وأن السعودية رفضت التعاقد مع الشركات الكبرى ما لم يكن لها مقر في الرياض، وربطت شراء الأسلحة بتصنيع جزء من الصفقات، فهي خطوات ذكية وضعت لجذب الاستثمارات والشركات الكبرى إلى أرض المملكة.
فالسعودية لا تنطلق من طموحات عالية فقط، بل تنطلق من نقاط استراتيجية محددة مرتبطة بأهداف واستراتيجيات واضحة تمكن السعودية بكل سهولة أن تتبوء مركز الـ15 على مستوى العالم، وقد يكون مركزا أعلى من ذلك، لكن السعودية دائما ما تربط طموحاتها وفق الواقع، لكن حققت كثيرا من الأهداف فوق ما هو مخطط له في الرؤية، بسبب أن إمكانات المملكة عالية، لكنها كانت معطلة، استثمرتها الدول المحيطة بالمملكة. فرؤية المملكة 2030 تجعل نمو المملكة يدفع بقية المنطقة للنمو والتكامل، ويمكن للمنطقة أن تتحول إلى منطقة جذب اقتصادية عالمية، إذا توقفت إيران وتركيا عن مشاريعهما الأيديولوجية، ووافقا على الاندماج في منظومة رؤية المملكة 2030 التي تتسع للمنطقة بأكملها، يمكن أن تنافس طريق الحرير والحزام بل تتفوق عليه إذا وعت المنطقة من أن المصالح مشتركة.