يعد المكون الثقافي للمملكة واحداً من أهم اهتمامات خادم الحرمين الشريفين، وذلك بالمحافظة ودعم ورعاية كل احتفاء به، لذا من غير المستغرب رعايته حفظه الله لفعاليات النشاط الثقافي من خلال معرض الكتاب الدولي الذي أقيم بالرياض الشهر الماضي ولقى نجاحاً منقطع النظير.
وتشكل العناصر الثقافية قسمات مهمة في فكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - رعاه الله - فهو يمنح الأبعاد الثقافية اهتماماً كبيراً على الرغم من مشاغله السياسية والاقتصادية وعمله على ترسيخ العلاقات الدبلوماسية والحضور السعودي في مختلف أرجاء العالم.
وجاء اهتمام خادم الحرمين الشريفين بالفعل الثقافي مبكراً، حيث يتصف - أيده الله - برؤية ثقافية وباطلاعه على التحولات التاريخية السعودية، وأدرك طبيعة الدور الذي تقوم به المملكة، ومكانتها العربية والإسلامية والدولية، حيث تعمل المملكة بقدر وافر من أجل تحقيق السلام والتعايش والتعاون الدولي.
ويشكل الوعي الثقافي جانباً مهماً من جوانب الحياة لدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -، فالثقافة هي ديوان المعرفة، وهي بما تشتمل عليه من معارف وفنون وآداب وعلوم دينية وعقدية وفقه وعلوم اجتماعية وإنسانية وتاريخية، تعطي مجالاً واسعاً لتبصير الأفق الإنساني من جهة، وتعطي مجالاً أرحب للتفكير بعمق وقراءة مختلف المشاهد الثقافية التي تتحول إلى عنصر فعال من أجل رفعة الشعوب وتقدمها. ومن هذه الزاوية ينظر خادم الحرمين الشريفين إلى الفعل الثقافي.
ويعد الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - من هذا الطراز الإنساني الذي يجعل للمعرفة نصيباً حيوياً في حياته، وهو بالرغم من مشاغله اليومية، كمسؤول سياسي وقيادي تحمل مسؤوليات كبيرة، ظل ينظر للثقافة على أنها صانعة حياة، وهو المطلع على أبرز عناصر الثقافة في الإبداع والآداب والتراث والتاريخ وعلوم الدين.
وعناية خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - بالتاريخ والثقافة والاطلاع الدائم على أهم الكتب العربية والإسلامية والتراثية والتاريخية جعلته يمتلك مكتبة من أكبر المكتبات الخاصة في المملكة العربية السعودية، حيث تضم ما يربو على 60 ألف مجلد في حدود 18 ألف عنوان، وهي مكتبة تتضمن جانباً كبيراً من الكتب التي ألفت عن التاريخ السعودي.
ويرأس خادم الحرمين الشريفين مجلس إدارة مكتبة الملك فهد الوطنية، بالإضافة إلى دارة الملك عبدالعزيز، وهو عارف بالتاريخ السعودي ومهتم به بوصفه يشكل جانباً من الهوية الأصيلة للمملكة، بالإضافة إلى الهوية الدينية بوصف المملكة تحتضن البقاع الإسلامية المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهي قبلة المسلمين وهو ينظر - رعاه الله - إلى التاريخ بوصفه عنصراً مؤثراً في الحاضر، حيث يمنح قارئه حكمة الماضي واستشراف المستقبل.
وأصبحت الثقافة السعودية تشكل عنصراً من عناصر التأثير عربياً وإسلامياً ودولياً، خاصة مع ما تملكه الثقافة السعودية من عناصر مؤثرة تتمثل في المورثين العربي والإسلامي، وفيما أنتج من ثقافات متنوعة على مدار الدولة السعودية بعهودها الثلاثة. وشكلت المعارض النوعية التي تقيمها المملكة بالخارج إحدى السبل المهمة للتواصل العالمي مع مختلف الحضارات، فمعارض الحج بباريس وواشنطن، ومعرض أليس بلندن، وافتتاح فرع مكتبة الملك عبدالعزيز بالعاصمة الصينية بكين، سعي دائم من المملكة للتفاعل مع الثقافات العالمية، وفيما يتطلع العالم العربي إلى الثقافة السعودية العريقة لأنها تحمل مكان العرب وديوانهم وأدبياتهم، يتطلع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها إلى الثقافة السعودية لأن المملكة تحتضن الحرمين الشريفين وما دار فيهما وحولهما من ثراء علمي واسع، ومن اجتهادات فقهية ومن علوم إسلامية ومذاهب وقراءات. من هنا يأتي هذا الاهتمام القيادي بالثقافة ووضعها في مكانتها المرموقة.
كما أن للملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - اطلاعاً واسعاً بمختلف الدوريات والمجلات الثقافية المعروفة.. لكن شغفه بفرع من فروع الثقافة، وهو التاريخ، يفوق سائر الفروع، كما كان له - أيده الله - علاقة مديدة ووطيدة بالثقافة، فهو قارئ من الطراز الأول، وجسرت سعة اطلاعه، علاقته بالمثقفين والمفكرين والباحثين والصحافيين والإعلاميين، وله قراءاته الواسعة خاصة ما تعلق منها بتاريخ المملكة والجزيرة العربية، وكانت مجالسه التي يعقدها - وقت أن كان أميراً لمنطقة الرياض - من أزهى المجالس الثقافية التي تتحول إلى نقاشات ثرية تثري المنهج التاريخي وتقدم وقائع متعددة وتكشف أحياناً عن وثائق تاريخية مهمة في التاريخ السعودي عبر مختلف المراحل.
ومن اهتمامه - حفظه الله - بدارة الملك عبدالعزيز ومتابعته برامجها وأنشطتها ما يقدم صورة جلية على رعايته للثقافة والتاريخ السعودي، أعاد - أيده الله - اكتشاف الدارة وبث فيها روح العمل النشط، ولعل أولى هذه الخطوات هي تكوين مجلس إدارة جديد يكون أعضاؤه من المؤسسات ذات العلاقة حتى تسهل عملية تبادل المعلومات، كما أن توجيهه - حفظه الله - بنقل مقر الدارة من مقرها السابق إلى مركز الملك عبدالعزيز التاريخي في حي المربع الذي افتتحه الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - عام 1419هـ بجوار قصر المربع التاريخي أدى إلى استظهار طاقاتها العلمية، وتطويرها الإداري ما أحدث تغييراً إيجابياً في أعمالها.
كما قام - رعاه الله - بإهداء الدارة مخطوطة نادرة بعنوان «المقنع في الفقه» نسخت عام 1220هـ وكانت نواة لما تم جمعه وحفظه من المخطوطات الأصلية التي تجاوزت 5000 خمسة آلاف مخطوطة ووثيقة أصلية.
كما تحدث - حفظه الله - كثيراً في عدد من الجامعات عن التاريخ السعودي.
كما وافق - أيده الله - على دعم الدارة لبعض الجمعيات العلمية ذات العلاقة، ودعم وافتتاح مركز تاريخ مكة المكرمة، وعدد من المراكز في الطائف وجدة والمنطقة الشرقية، كما وافق على أن يقترن اسمه بالجائزة والمنحة التي قررها مجلس الإدارة لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية.
وقد رعى - حفظه الله - عدة فعاليات ثقافية كبرى حيث تم عقد وافتتاح المؤتمر العالمي الثاني حول تاريخ الملك عبدالعزيز المؤسس الذي أقامته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
كما تم إنشاء متحف تاريخ العلوم والتقنية في الإسلام، الذي تم تدشينه من قبل جامعة الإمام بالاشتراك مع معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية الموجود في جامعة فرانكفورت بألمانيا. كذلك تم افتتاح معرض الملك فهد بن عبدالعزيز «الفهد روح القيادة» تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، الذي قام بتنظيمه أبناء وأحفاد الملك فهد - رحمه الله - بالاشتراك مع دارة الملك عبدالعزيز، وافتتاح مشروع حي البجيري في الدرعية ضمن خطة برنامج تطوير الدرعية التاريخية في الرياض، وأخيراً افتتاحه مشروع تطوير حي الطريف، ضمن برنامج تطوير الدرعية التاريخية.
كما صدر أمر سامٍ كريم بتشكيل مجلس إدارة الهيئة العامة للثقافة في 23 رجب 1439هـ، وصدور أمر ملكي بإنشاء وزارة باسم «وزارة الثقافة»، كما صدر أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء إدارة باسم «إدارة مشروع جدة التاريخية»، وتضيف هذه التوجهات الثقافية تاريخاً جديداً للمملكة حافلاً بالإنجازات الكبيرة على مختلف المستويات والصعد والمجالات.