عبده الأسمري
بين كتابة الضبط وضبط الكتابة وعلى السطر وتحت الشمس وأمام النقد رسم «دوائر» الأدب واستقرأ «بصائر» المعاني ونال «مصائر» المعرفة..
من «كتاتيب» البدايات و»سراديب» الصعوبات بنى «صروح» المقالات.. وجنى «طموح» المقامات.. فكان «خبير» عشيرته وظل «أسير» مسيرته الذي انتهل من «بساطة» القرية نقاء الروح وتعلم من «استقامة» النية صفاء النفس..
ورث «أصالة» النسب وامتلك «عدالة» الفقه.. فكان «القاضي» الخفي نهاراً و»المثقف» المعلن مساءً..
إنه الأديب والكاتب علي محمد العمير رحمه الله أحد أبرز الأدباء والمثقفين والكتاب في الوطن..
بوجه جازاني قروي الملامح تهامي التقاسيم تعلوه سمات «الرقي» وتسكنه صفات» الهدوء» مع عينين واسعتين وشخصية «لينة» الجانب «لطيفة» المعشر «رزينة» الفعل ومحيا أنيق يعتمر «الأزياء» الوطنية وكاريزما تتقاطر «أدباً» وتتسطر» تهذيباً» وصوت مشفوع بالفصحى ومسجوع بالجناس وممزوج بالطباق في منصات «المعارف» تتخلله «لغة» فصيحة بيضاء في مواقع» الفضلاء» و»لهجة» جنوبية عصماء في مرابع «البسطاء» مع أناقة «لفظية» تنم عن «مخزون» فكري زاخر بالعبارات وفاخر بالاعتبارات قضى العمير من عمره «عقود» وهو يملأ «فراغات» النقاش بإنتاج الناقد ويسبر «أغوار» الحوار باقتدار المفكر ويغمر سكون الروتين باعتبار الخبير.. موظفاً نال «وسام» الأثر وأديباً قطف «ثمار» التغيير وكاتباً حصد «غنائم» التأُثير..
في «قرية» الجرادية بجازان الباذخة بزف الفقهاء والعلماء إلى ميادين النماء ولد العمير عام 1357 في نهار «صيفي «مفعم بالكفاح وانطلقت في المنازل المجاورة المكتظة بالجيرة الأهازيج الجازانية المجلله بالفرح والمكللة بالبهجة احتفاءً بقدومه الميمون..
تفتحت عيناه صغيراً على «وجاهة» باكرة في «سمعة» عائلته و»سماحة» مبكرة في «صنعة» أسرته فنشأ بين والدين أصيلين ملأ قلبه بهيبة «التوجيه» وأشبعا عقله بهبة «التربية»..
تعتقت نفسه طفلاً بروائح» الفل» الجازاني ونفائس «الكادي» الصامطي وتشربت روحه نسمات «الحقول» ونسائم» الفصول في قرى «المخلاف السليماني» مولياً قبلة «طفولته» شطر «التعلم» الذي كان محفلاً تنافسياً بين «الصبية» ينالون فيه «إمضاءات» العابرين ويحصدون منه «ثناءات» السائرين..
انخطف العمير مبكراً إلى مجاميع العلم في كتاتيب قريته فدرس العلوم الدينية وحفظ القرآن وتعطر داخله بفصاحة الوحي وحصافة الذكر فنشأ في «أحضان» الحسنى وكبر وسط «أمان» التقى واكتملت في طريقة «أضلاع» المحاسن التي بقت ظلاً يعكس صورته الأصيلة في سنوات أمضاها بين محطات» الطفولة» و»النشأة» و»الرشد» وأنهاها بخاتمة صالحة اكتملت «بدراً» في حضرة الرحيل.
واصل العمير دراسته في مدارس القرعاوي وتتلمذ على يد الشيخ حافظ حكمي الذي نقله ليكمل تعليمه في المعهد العلمي السعودي في صامطة، وبعد نجاحه تعين كاتب ضبط في محكمة الموسم والتي كان فيها كاتباً دائماً وقاضي أحياناً ومستشاراً غالباً وقد بذل جهوداً جبارة في حل العديد من قضايا المواريث والخلافات ثم تجاذب العمير مع عمق أدبي يسكنه جعله يقضي ليله في كتابة الخواطر والنثر في مساءات بلدته القابعة في قلب الثقافة ثم طلبه الشيخ حسن آل الشيخ ليعمل في رئاسة القضاء بالرياض عام 1381هـ .
استسلم العمير لنداء داخلي دوى في داخله نحو الصحافة فبدأ الركض في بلاط صاحبة الجلالة من خلال مجلة الجزيرة (صحيفة الجزيرة حالياً) وأوعز إليه مؤسسها الأديب عبدالله بن خميس منصب مدير تحرير المجلة. ثم انتقل بعدها للعمل في وزارة المواصلات ورأس تحرير مجلة (ندوة المواصلات) ثم تم اختياره مديراً لمكتب صحيفة البلاد في الرياض. وبعد مجهودات وبصمات جلية تولى منصب مدير عام الإدارة في مؤسسة البلاد واستمر يكتب المقالات والحوارات والقضايا المتنوعة في كل فنون العمل الصحفي
اتخذ العمير مسافات متباينة وخطوات متساوية وفق منهجه وخبرته حيث شهدت مراحل من حياته «نقاشات» وحوارات» متعددة مع مثقفين ومفكرين حول الحقيقة والمجاز ومنهجية التوثيق التاريخي وكتب النقد في مؤلفات تاريخية وتراثية ودخل في حوار طويل مع أساتذة جامعات بشأن أدوارهم وجهودهم في الثقافة والوعي وانتصر للفنون الشعبية.
أسس عام 1400هـ دار العمير للثقافة والنشر والتي كان لها إسهامات متعددة في الشأن الثقافي واشتهر العمير بزاويته اليومية (تحت الشمس) في صحيفة عكاظ ثم الشرق الأوسط ومجلة المجلة.
ولأنه مسكون بالأدب ومفتون بالتفكير ألف العديد من الكتب ومنها (سنابل الشعر) و(لفح اللهب في النقد والأدب) و(رسالة الجامعة ) و(معركتان أدبيتان مع العقيلي وطبانة) و(مناوشات أدبية) و(أدب وأدباء) و(حصاد الكتب) و(الوخزات في الأدب الساخر) و(ركض الخاطر) و(تحت الشمس) و(مناقرات صحفية) و(بداياتي مع الصحافة والأدب).و(مجموعة اللفحات في النقد والأدب ).
تعرض العمير لوعكات صحية أبعدته عن المجال الأدبي والصحفي ولكنه بقي في الجزء المشرق من الذاكرة ومكث في الجانب الأشرق من الاستذكار.. يراه العديد من البارعين «أستاذاً» في متون «الائتلاف» ويصفه الكثير من المثقفين «ملاذاً» في صراع «الاختلاف».
غيب «الموت» العمير الجمعة الماضية الموافق الثلاثين من شهر ربيع الأول الجاري ووري جثمانه ثرى مقبرة «الفيصلية» بجدة ونعاه زملاء الدرب وبكاه رفقاء المرحلة..
رحل العمير ومثل إنتاجه «مشعلاً» يضيء «متاهات» الحيرة وينير «مسارات» المسيرة.. توفي بعد أن أوفى لمهنته وقلمه ومجتمعه واحتفى بنهجه وفكره ومحبرته..
علي محمد العمير «النجم» الساطع في سماء «المؤثرين» و»الاسم» اللامع في ضياء «المبدعين».