د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
كانت رؤية المملكة 2030 قاطرة التحول في المملكة إدراكا بأهمية الوضع العالمي للمملكة التي أعلن عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 2016 لتنويع الاقتصاد لتقليل الاعتماد على النفط وضمان الاستدامة المالية.
تسعى الرؤية إلى أن تصبح السعودية ضمن أكبر 15 اقتصادا على مستوى العالم بحلول عام 2030، وهذه المرتبة تتناسب مع مكانة السعودية الاقتصادية وما تملكه من إمكانات لوجستية، فهي تود أن ترفع تصنيفها في مؤشر الأداء اللوجستي من 49 إلى الـ25، وأن يرتفع مركزها في مؤشر التنافسية ضمن أفضل 10 دول، وبالفعل تقدمت السعودية في مؤشر التنافسية العالمية في 2020 من المرتبة الـ39 إلى المرتبة الـ24، والمركز الـ12 في مؤشر المال الجريء.
تنفيذ الخطة الطموحة يمكن السعودية تحقيق المركز الـ15 ضمن أفضل اقتصادا على مستوى العالم، خصوصا وأن المكسيك في المرتبة الـ15 على مستوى العالم ناتجها الإجمالي 1.19 تريليون دولار، حاليا السعودية في 2021 نحو 805 مليارات دولار، فالفارق ليس بعيداً، بل طموحات السعودية أكثر من ذلك في أن يرتفع ناتجها من 2.63 تريليون ريال بنهاية 2020 إلى 6.4 تريليون ريال بحلول 2030 يوازي 1.7 تريليون دولار يوازي اقتصاد روسيا التي تقع في المرتبة الـ11 على مستوى العالم، وحاليا السعودية ودولة الإمارات يمثلان نصف الاقتصاد العربي، ويمثل الاقتصاد الخليجي نحو 67 في المائة من إجمالي الاقتصاد العربي، ما يعني أن الثقل الاقتصادي يقع في منطقة الخليج الذي يجذب أنظار العالم.
وجد سمو ولي العهد أن تحقيق هذه الرؤية والإسراع في تحقيقها أن يبدأ بمدينة الرياض التي تمتلك مميزات نسبية عالية، بأن تصبح ضمن أعلى 10 مدن في العالم اقتصاديا ترتفع من المرتبة الحالية الـ39، خصوصا وأنه وجد أن المدن تشكل 85 في المائة من اقتصاد العالم.
فالتنمية الحقيقية تبدأ من المدن سواء في الصناعة أو الابتكار أو في بقية القطاعات الأخرى وفق الميزة التنافسية التي تتمتع بها كل مدينة، وتشكل مدينة الرياض حاليا نحو 50 في المائة من الاقتصاد غير النفطي في السعودية، حيث تتمتع مدينة الرياض ببنية تحتية قوية قام بها الملك سلمان بن عبدالعزيز، فيما يزيد عن 55 سنة بإدارة مدينة الرياض والتخطيط لها، وهي تشكل 30 في المائة من سكان السعودية، ولديها بنية تحتية متميزة تستطيع أن تستوعب من 15 - 20 مليون نسمة في الرياض خلال العشر سنوات القادمة.
تسلمت 44 شركة عالمية تراخيص مقراتها الإقليمية لمزاولة نشاطها في السعودية، وذلك ضمن برنامج جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية التي تشرف عليه وزارة الاستثمار، والهيئة الملكية لمدينة الرياض، لجلب خبرات عالمية، تسهم في تطوير مجالات البحث والابتكار لنقل المعرفة والخبرة للمواهب الوطنية، بينها هاليبرتون وسامسونج، حيث يعد المقر كيانا تابعا لشركة عالمية، لأغراض الدعم والإدارة والتوجيه الاستراتيجي لفروعها وشركاتها التابعة لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ستحصل الشركات على إعفاءات من سقف تأشيرات العمل، وتسهيل اللوائح، وستتوقف السعودية عن التعاقد مع أي شركة عام 2024 إذا لم يكن مقرها في الرياض.
ركز ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على استراتيجية استدامة الرياض تشكل إطلاق أكثر من 68 مبادرة طموحة للاستدامة في خمسة قطاعات، وهي: الطاقة والتغير المناخي، وجودة الهواء، وإدارة المياه، وإدارة النفايات، والتنويع الحيوي، والمناطق الطبيعية، وكما تستهدف الاستراتيجية خفض انبعاثات الكربون في الرياض بنسبة 50 في المائة بالإضافة إلى ضخ 346 مليار ريال في مبادرات ومشاريع الاستدامة للمدينة، وتحفيز القطاع الخاص بفرص استثمارية.
تهدف الاستراتيجية إلى أن تصبح الرياض أكثر المدن استدامة وتنافسية في العالم بحلول عام 2030، والنمو الاقتصادي للرياض لن يأتي على حساب البيئة والاستدامة، لذلك ستكون إدارة الموارد الطبيعية بكفاءة، ومبادرة الاستدامة البيئية لدعم أهداف مبادرة السعودية الخضراء، ومنها استثمار 30 مليار ريال لرفع معدل المياه المعالجة من 11 في المائة إلى 100 في المائة، واستخدام كل قطرة ماء للري، وتخضير العاصمة الرياض، واستثمار ما يقارب 56 مليار ريال في مشاريع إدارة النفايات لتدوير النفايات كمواد أولية وإعادة استخدامها وتحويلها إلى طاقة بنسبة 94 في المائة.
والتي ستوفر على اقتصاد المدينة ما بين 40 إلى 65 مليار ريال نتيجة رفع مستوى كفاءة البنية التحتية وتخفيض استهلاك الطاقة والمياه، وتخفيض فاتورة الآثار الصحية جراء تحسن الصحة العامة، خصوصا وأن المبادرة تستهدف زراعة 15 مليون شجرة لرفع نسبة نصيب الفرد من المساحات الخضراء من 1.7 إلى 28 مترا مربعا داخل النطاق الحضري، ما سينتج عنه خفض درجة حرارة المدينة بمقدار 1.5 إلى 2 درجة مئوية، وخفض درجة حرارة الوهج المنعكس من سطح الأرض بمقدار 8 إلى 15 درجة في مناطق التشجير المكثف، يعمل على جودة الهواء، وذلك بخفض انبعاثات الكربون بنسبة 50 في المائة واستثمار 30 مليار ريال لزيادة إنتاج الطاقة من مصادر متجددة بنسبة 50 في المائة.
المبادرة تستهدف رفع نسبة استخدام السكان لوسائل النقل العام من 5 في المائة إلى 20 في المائة، عبر استثمارات قيمتها 112.5 مليار ريال، ورفع نسبة المركبات الكهربائية إلى 30 في المائة بحلول 2030 مما ينتج عنه تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحوالي 1.5 مليون طن سنويا.