د.عبدالله بن موسى الطاير
مخطئ من يتوقَّع أن حزب الله أو إيران في أفضل حال. وأخطأ من ظن أن السعودية تريد رأس حزب الله قرباناً لعودة العلاقات؛ وإنما سلاح، ورأس حزب الله، وشيطانه الأكبر مطلوبون للبنانيين من أجل استعادة بلدهم، وعندما تعود لبنان كاملة الاستقلال، فإن ما تقرّره في علاقاتها مع محيطها العربي هو خيارات سيادية لا يمكن لأحد مطالبتها بخلافه.
عودة لبنان لأهله كان بحاجة إلى صدمة، وهزة عنيفة من بلدان طالما وقفت مع لبنان، وكان لا بد لدول الخليج (السعودية، الإمارات، الكويت، والبحرين) أن توقظ التيارات الوطنية في لبنان التي استمرأت الوضع الراهن سنين طويلة، وركن بعضها إلى واقع جثم على نفوسهم لدرجة تكييف أجنداتهم السياسية والحزبية والطائفية للتعايش مع حال مشوّه ومتخلّف. فهل تنجح دول الخليج في إفاقة اللبنانيين، وتحشيدهم ضد حزب ومليشيا عميلة، تنتهك سيادة لبنان وتسيّر حكومتها وفقاً لمصالح إيران في لبنان والمنطقة؟ وهل بإمكان اللبنانيين التخلص من هيمنة حزب الله بدون الدخول في حرب أهلية؟
الإجابة عن السؤالين السابقين تتطلب فهماً عميقاً لواقع معقد يكاد يستعصي على الفهم، وقراءة المشهد اللبناني والتعرّف على حقيقة المؤثرين فيه، وتفاعلات تحالفاتهم عملية محفوفة بالغموض وتحفها المخاطر، وخصوصاً أن نمو السكان مقارنة بما كان عليه عام 1932 يفرز واقعاً ديموغرافياً مغايرًا لما أريد للبنان أن يكون عليه. المسيحيون الذين أرادت فرنسا أن يكون لبنان وطناً لهم في الشرق الأوسط تراجعت نسبتهم من نحو 58 % آنذاك إلى أقل من 40 % عام 2020م، وأصبح المسلمون الشيعة يزيدون على 31 % ومثلهم السنة في بلد حتى تعداد سكان يعتبر من المحرمات. لبنان موزع طائفياً بين المسيحيين والمسلمين شيعة وسنة، وللجيش اللبناني والقوات الأمنية سيطرة على جميع المليشيات ولو نظريا، باستثناء حزب الله، الذي يضاهي الجيش في تعداده المكون من 100 ألف إرهابي مسلح خارج نطاق السلطة الشرعية. ولذلك فإن التشكيلات السياسية وتلك المسلحة في لبنان جميعها ضمن دائرة السيادة اللبنانية باستثناء مليشيا الحزب.
التحالف بين العونيين، الممثلين في التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل من جانب وحزب الله من الجانب الآخر أضعف المكون المسيحي الوطني، وهو تحالف تكتيكي في ظني، ولكنه جاء على حساب بقية الموارنة الذين لا يضمرون الود لحزب الله. هذا التحالف صنع واقعًا جديدًا مكّن حزب الله بدعم من التيار الوطني الحر من تشكيل قوة وزارية معطلة داخل مجلس الوزراء ومعادية لكل ما هو عربي، في اصطفاف غير منطقي بين المسيحيين وحزب الله. وتوضح نظرة سريعة للقوة النيابية للأحزاب والتيارات أن حزب الله ليس الأقوى شعبياً، وليس له قاعدة انتخابية تضعه بالتوازي مع التيار الوطني الحر (24 نائباً)، تيار المستقبل (20 نائبًا)، حركة أمل (16 نائبًا)، القوات اللبنانية (15 نائبًا)، فنصيبه في البرلمان لا يتجاوز 13 نائبًا. وفي الظروف الطبيعية يمكن تجاهل وجوده في أية تشكيلة وزارية فيما لو توافقت بقية القوى على أن الحزب خطر على لبنان، والمنطقة العربية، وأن وجوده معيق لحركة الحكومة. هذا أضعف الإيمان المنتظر من اللبنانيين وليس الدخول في حرب أهلية لإقصاء الحزب المسلح من الحياة العامة. هكذا تحرك يتطلب قيادة مسيحية قد تجتمع خلف رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. خطاب جعجع قد يستقطب الشباب الثائر على الوضع اللبناني المأزوم سياسياً واقتصادياً، وبخاصة عندما يتوجه شباب الموارنة من المحسوبين على التيار الوطني الحر لدعم القوات اللبنانية بقيادة وهو ما سيشكِّل ضغوطاً كبيرة على عون وجبران باسيل للتماهي مع نبض الشارع الماروني والنأي بالتيار عن حزب الله.
الذي تأمله دول الخليج التي أعلنت سحب دبلوماسييها من لبنان، وطرد السفراء اللبنانيين هو تحريك المياه الراكدة على الساحة اللبنانية، وتذكيرهم بأن لبنان محتل، وناقص السيادة، بوجود هذا الورم السرطاني المسمى زورا حزب الله. وكلام وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لا يعني فرض الحلول على لبنان، ولكن نقل رسالة واضحة بأن العلاقة مع أي حكومة لبنانية لن تكون مجدية في ظل هيمنة حزب الله على القرار. فدعم الجيش اللبناني يؤول لترسانة حزب الله، ودعم الاقتصاد اللبناني يؤول لخزينة الحزب، وازدهار لبنان يعني قوة عدو مبين لدول الخليج والمصالح العربية، فلم عسى هذه الدول تستمر في علاقات ميؤوس من عوائدها الإيجابية على دول الخليج.