د. منى بنت علي الحمود
ماذا قبل البداية؟.. بل ماذا بعد النهاية؟.. سؤال أشغلني في الآونة الأخيرة.. هو سؤال لا يتعلق بالموت أو الفناء حيث يتردد السؤال كثيرًا «هل الموت هو نقطة النهاية أم بداية الحياة؟».. إن نقطة النهاية ما هي إلا إيذان بولادة بداية جديدة دائمًا.. ونقطة البداية ما هي إلا إعلان شرعي عن وفاة نهاية سابقة!!.. وعليه فهما مجرد نقطة واحدة لا أكثر، ونحن نسكن في منتصفها.. كل ما نعيشه ما هو إلا فاصلة بين النقطة ذاتها وذاتها!!
من الغريب أن الإنسان لديه شغف كبير للبدايات.. كما أنه يسعى أيضاً وبجد لبلوغ النهايات!! وهذا مما يربك حقيقة.. ويفتح كل هذا الكلام جبهة سؤال آخر هو: أيهما أول البداية أم النهاية؟.. إذا كانت كل بداية هي نهاية والعكس كذلك في دائرة معاودة.. فهل الليل قبل النهار أم العكس؟.. وأيهما تنتهي ذاته ليبدأ الآخر؟
تعددت الرؤى والطروحات التي حاولت على الأقل أن تؤطر مفهوم النهاية.. فقيل إن النهاية هي بلوغ ذروة الاكتمال أو الوصول إلى النموذج النهائي، كنهاية التاريخ ونهاية العالم التي يحملها فكر كل من العالم الأمريكي «هنتنجتون» Huntington) : 1927-2008) والفيلسوف الفرنسي «فوكو» 1926- 1984 :Foucault) ) معلنين عن بزوغ ثقافة واحدة ودين واحد هما ذروة الكمال للعالم، ويشاطرهما «أفلاطون» الرأي عندما زعم أن النهايات تقف عند حدود أسوار مدينته الفاضلة.. من جانب آخر قيل إن النهاية هي فناء ذات ليحل آخر محلها كنهاية الفلسفة ونهاية الأيديولوجيا، بمعنى أن يصبح لا مكان لهما في وجود العلم والوضعية.. وكانت النهايات عند «كارل ماركس» هي إحلال الشيوعية التي ستحل كل التناقضات والمشكلات التي سبقتها.. البدايات والنهايات.. منعطفات وعرة لربكة كونية استدعت الفلسفات الدينية وعلى نفس المستوى والاتجاه.. فهناك شغف للإجابة عن: ماهية الحياة.. وحقيقة الموت.. وأبدية الكون، بل لمن تكون هذه الأبدية؟.. وما سر الخلود؟!!..
بعيداً عن معمعة الفلسفة والمفاهيم، هل يمكننا النظر إلى البداية والنهاية من منظور إنساني حيوي على أنها (الفرصة الثانية).. ولتوضيح ذلك لعلنا نطرح مثل هذا التساؤل: ماذا بعد كل نهاية في حياتنا؟.. نهاية عمل، نهاية مشهد، نهاية علاقة؟ هل تستحق بداية النهاية منا كل هذا الاهتمام؟ وهل تستحق نقطة النهاية أن نحتفي بها كبداية جديدة؟ وماذا لو تأملنا عبارة: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، هل هي نهاية مشهد لبداية جديدة فعلاً!! وماذا عن عملك الذي يستنفد ما يقارب نصف يومك أو أكثر؟ وهل ستضيع وقتك في أحلام اليقظة التي تمني فيها نفسك بعمل تحبه ويستحقك؟!!.. أم ستجعل النهاية هي من يأخذك إلى بداية تستحقها وتناسبك!!.. قد تكون النهاية بفصلك، أو تقاعدك، أو نقلك.. كل ما عليك هو تحديد الأشياء التي لا تجعلك سعيداً في عملك والأشياء التي عكس ذلك.. ثم انطلق من خط النهاية!!.. حدد متى تقرر أن تبدأ الفرصة الجديدة.. هل هي نقطة التشبع بالرضا التي وصلت لها.. أم إنها نقطة عدم الشعور بالسعادة في عملك.. عليك أن تبحث بجدية عن بوصلة العمل الحقيقية بداخلك التي لا تتطلب منك سوى المعرفة لذاتك بعمق، ومعرفة الآخر بوضوح كطبيعة مكان العمل المناسبة لك، والالتزامات والأدوار التي تناسبك، والشخصيات الصعبة أو المؤذية.. ومن ثم إدارة عملك والتخطيط للسعادة..
ماذا عنك لو كنت عند نهايات علاقة؟.. هل ستسمح للفرصة الثانية أن تتسلل لحياتك بهدوء!!.. ثق بحدسك وبفطرتك وتصرف بموجبهما.. عالج مخاوفك.. كن مخططاً ناجحاً للسعادة؛ فالعلاقات مشاريع إدارية بالمقام الأول لا تقوم إلا على مهارات التخطيط.. ابدأ من خط النهاية (من الصفر) بمعنى ابتعد عن خديعة «أستفيد من أخطائي السابقة».. أعط كل نهاية حقها بأن تكون بداية.. ولا تحرق بدايات النهايات بنهايات البدايات.