اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
رغم أن القائد هو المحور الذي تتمحور حوله منظومة القيادة، وكل الأمور المتعلقة بهذه القيادة تبدأ منه وتنتهي إليه إلا أنه من المستحيل أن يعمل القائد كل شيء بنفسه، وإنما يعمل ذلك من خلال سلسلة القيادة التي يتربع على قمة هرمها، حيث يتيح له النفوذ الشخصي والمنصب الوظيفي والاستفادة من أتباعه وعلى وجه الخصوص المساعدون والمستشارون الذين يحيطون به، ويؤمنون بسياساته وأهدافه على النحو الذي يمكنه من إنجاز مهامه القيادية وتحقيق أهدافه المستقبلية، وبالتالي النجاح في قيادته وبلوغ غايته.
والقائد الناجح هو الذي يحسن اختيار المساعدين ويجيد التعامل معهم بفضل ما يتصف به من الذكاء والفطنة والثقة في النفس والمرونة وحسن الخلق، وكل ما يؤهله للتعامل مع قادته وأتباعه ضمن إطار المصلحة العامة، مراعيا عند اختياره للمساعدين توفر الصفات الخلقية والمعايير المهنية ذات المرجعية الدينية والوطنية مع الأخذ في الحسبان بأن الأتباع الذين يتعامل معهم بحاجة إلى احترام وتقدير الذات والاعتراف بها في بيئة صحية تميز بين الألفة ورفع الكلفة، وقد قال ميكافيلي في هذا الصدد: أفضل طريقة كي تقدر ذكاء القائد هو أن تلقي نظرة على الرجال الذين حوله، فالقائد الذكي المتقد الذهن يحيط نفسه برجال أذكياء.
والواقع أن الطريقة التي يتبعها القائد المطبوع عند اختيار المساعدين تختلف عن تلك التي يتبعها القائد المدعي المصنوع، فالأول ينظر من وجهة نظر المصلحة العامة ويختار المساعدين الأذكياء الذين يجمعون بين الولاء والإخلاص والتخصص والكفاءة، متعاملاً معهم بروح قيادية مؤثرة، تحترم مشاعرهم وأفكارهم ذات النزعة الاستقلالية والتطلع إلى تحمل المسؤولية، والثاني تغلب عليه الأثرة والأنانية، ولا يجد نفسه إلا من خلال السلطة الرسمية، مما يجعله يختار المساعدين أصحاب الشخصيات الذائبة والأفكار الغائبة الذين يتملقون أمامه، ويتركونه سادراً في ظلامه وأوهامه.
وفي السياق ذاته ومن أجل زيادة التوضيح فإن عملية اختيار المساعدين تتحكم فيها نوعية القادة، فهناك القائد الذكي صاحب الشخصية المؤثرة والأفكار النيرة الذي يعرف كيف يتخذ القرار، ويحافظ على الاتجاه والمسار، واضعاً المصلحة العليا للمنظمة أو الوحدة فوق كل اعتبار، وهذا النوع من القادة عادة ما يختار المساعدين الأكفاء الذين يسهمون في نجاح قيادته وإنجاز مهمتها على أفضل وجه وأحسن صورة، مدركاً أن المصلحة العامة وحكمة القيادة تفرضان عليه قبول ما قد يحصل من المساعدين الأذكياء من تصرفات وعادات مدفوعة بصفاء النية ونقاء الطوية طالما أن ذلك لا يشكل طعناً في الإخلاص للقيادة وصدق الانتماء للمهنة، خاصة تلك التصرفات والعادات الخاضعة للتقلبات النفسية والمزاجية والصحية وظروف البيئة والمؤثرات الداخلية والخارجية، وقد قال أحد القادة: لا تنس العقلاء من أتباعك فإن احترام جدالهم معك يُعد أكثر احتراماً من حقوقك كقائد.
وهناك القائد العاقل الذي تعوزه الخبرة القيادية وينقصه الذكاء المطلوب، ولكنه يعرف نفسه ويعرف ما هو مطلوب منه تجاه دينه ووطنه وولاة أمره وأتباعه، وهذا الصنف من القادة يستعين بالمساعدين الأذكياء الذين يتحملون المسؤولية، ويجيدون فن التعاون والتنسيق فيما بينهم في سبيل الوصول إلى الهدف الجماعي، مخلصين لمهنتهم وقائدهم الذي يثق فيهم ويعترف بجهودهم ويقدر عملهم ويدفعهم إلى الأمام، واضعاً كلاً منهم في المكان المناسب الذي يستحقه، وفي الوقت نفسه يحترم مشاعرهم، ويهتم بهم، ويشاركهم في الآمال والآلام.
ويوجد بعض المحسوبين على القيادة وهم أبعد ما يكونون عنها، وهؤلاء الأدعياء الذين يعانون من عدم المعرفة وقلة الفهم عادة ما يغطون مركبات النقص والأمراض النفسية المتأصلة فيهم باللجوء إلى رذيلة الغرور التي تزيّن لهم النفور من المساعدين الأكفاء والبحث عن المساعدين الضعفاء الذين يجدون أنفسهم معهم، غير آبهين بما يترتب على ذلك من حالات الفشل والضياع التي تنتظر المنظمة أو الوحدة بسبب القائد الفاشل والمساعد الإمعة المتخاذل، وينطبق على هذا الصنف من القادة قول الشاعر:
إن من يلتمس الصدر
بلا وقت وآلهْ
لحقيق أن يُلقّى
كل مقت وإذالة
والقائد هو الشمعة المضيئة التي تضيء الطريق أمام منظومة القيادة مهما تنوعت اتجاهاتها، كما أن المساعدين والمستشارين يمثلون المرآة التي تعكس الضوء المنبعث من هذه الشمعة بصورة تساعد القائد على رؤية نفسه من جهة، وتزيد من تأثير شخصيته وتجعلها أكثر تألقاً وبريقاً من جهة أخرى، علاوة على أن هذه المرآة تعكس الضوء وتسلطه على مجموعة القيادة وتعكس أشعتها وتوزعها على الآخرين.
وكما أن القائد هو مصدر النور فإن المساعد الكفء لا يستأثر بهذا النور على نفسه أو يتعامل معه بصورة عكسية، بل يشعه إلى من حوله، الأمر الذي يؤكد أهمية المساعد والدور الذي يؤديه عندما يتم اختياره، كما ينبغي وعلى الوجه الذي ينبغي، وتتوفر له المساحة الكافية التي يتحرك فيها وفقاً للسياسة المرسومة والمسارات المعلومة، مخلصاً لقيادته ومتحملاً لمسؤوليته.
والقائد الملهم يصنع من أتباعه قادة أكفاء لأنه يختار المساعدين المؤهلين للقيادة الذين يتحملون المسؤولية ويجعلون من السلطة خدمة في سبيل المحافظة على المصلحة العامة وخدمة القيادة الأعلى والأتباع، مما يدل على أن طبيعة العمل تشكل بيئة لتعليم وتدريب القيادة بالنسبة للقائد والمساعد، فالقائد ينظر إلى مساعده من منظور قيادي لكي يصنع منه قائداً، بحيث يعمل على إعداده وتهيئته لشغل المناصب القيادية في المستقبل، مقدماً الدليل على أنه مثلما يُعرف بإنجازاته فإنه يُعرف بأتباعه كما تعرف الشجرة بثمارها، والمساعد في الوقت نفسه يتدرب على القيادة من خلال عمله، آخذاً في حسبانه أن وصوله إلى الصف الأول مرهون بنجاحه في الصف الثاني مع معرفة حدوده وقيوده منفذاً الحكمة التي تقول:من تطاول على من فوقه استخف به من دونه. وقد قال الشاعر:
فشرط الفلاحة غرس النبات
وشرط الرئاسة غرس الرجال