الظهران - جابر محمد مدخلي:
كشف خبير في مجال التصميم الصناعي الدكتور أحمد كساب، أن مستقبل الصناعة في المملكة العربية السعودية بات يتجه لتطوير الأدوات المستخدمة في التصنيع، فضلًا عن تطوير المحتوى الصناعي، بما يحقق قفزة للقطاع الصناعي خلال الأعوام المقبلة، منوهًا خلال جلسة (مسار الإبداعات الناشئة) التي عُقدت في القاعة الكبرى بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء»، ضمن فعاليات موسم الإبداع «تنوين 2021»، إلى أن الفرص والتحديات الإبداعية لاقت ترحيبًا لتحويلها إلى واقع ملموس لا يعرف المستحيل.
وأوضح أن رؤية السعودية 2030 أدرجت قواعد بناء للتصميم الصناعي؛ سعيًا لأهمية التصميم الصناعي في المملكة، مبينًا أن تخصص التصميم الصناعي ما زال مقتصرًا على الإناث فقط، وأكد عزم الجامعات السعودية منح الذكور فرصة الالتحاق به كتخصص جامعي، حيث بدأ العمل ببرامج استشارية لجامعات سعودية بمختلف مناطق المملكة استعدادًا لإطلاق التخصص للبنين مع بداية العام المقبل.
وألمح كساب الذي يعمل محاضرًا في تصميم المنتجات بكلية العمارة في جامعة عفت بجدة، إلى أن القطاع الصناعي في المملكة يتنامى منذ عدة أعوام؛ لتوفّر المعلومات الشاملة التي تمنح المصممين قاعدة بيانات تسهم في معرفة خارطة طريق الصناعة، مبينًا أن التصاميم الصناعية فاقت التوقعات.
وأفاد أنه من المتوقع أن يصل التنامي إلى نحو 90 في المائة خلال الـ 5 أعوام المقبلة، بيد أن المنتجات التجارية الاستهلاكية المنزلية ستتصدر السوق ليكون التصميم الصناعي الاستهلاكي بلمسة سعودية.
وطالب كساب بضرورة خلق سبل تواصل بين الهيئة السعودية للمدن الصناعية (مدن) والمصانع البالغ عددها أكثر من 3 آلاف مصنع في المملكة بداخل 36 مدينة صناعية؛ لإيصال طالبي الوظائف إلى فرص وظيفية مناسبة، مقرًا بأن السوق السعودي سيشهد طفرة في عددٍ من الوظائف الصناعية والتصميم.
واستكمالًا للتقدم التقني والريادي، ومن أجل الوصول إلى حلول مستدامة، أكد المهندس المعماري والمصمم المتخصص في أنظمة البرمجيات ثلاثية الأبعاد عبدالله بن هندي، أن الصناعة ثلاثية الأبعاد تشهد تقدمًا ملحوظًا، إلا أنه استدرك بالقول «هناك فجوة لابد من ردمها، ويجب علينا جميعًا الالتفات إليها، وهي أن عملنا كمصممين بتقنية ثلاثية الأبعاد لا يزال بجهود فردية ولا يوجد مظلات رسمية أو مجموعات شبابية كشركاء، بيد أن التقنيات ثلاثية الأبعاد خلال الـ3 أعوام الأخيرة دخلت في مختلف المجالات منها الصناعة والأزياء والألعاب إلى جانب تصميم البيوت المنزلية». مشيرًا إلى أن البصمة الرقمية تتطلب ملكية فردية لحماية الفكر الصناعي والابتكاري؛ وذلك باعتبار أن الأرصدة الرقمية صارت تتصدر العالم.
فيما بينت رائدة الأعمال والمبتكرة لجين أبو الفرج، خلال حديثها في الجلسة، أن فرص العلامات التجارية تشهد تزايدًا متسارعًا، وتتطلب طابعًا رقميًا لإحداث فرق وصناعة فكرة بدلًا من نقلها من أجل تحويل العلامة التجارية إلى كائن ملموس، متابعة «العلامات التجارية تحتاج إلى تصاميم ابتكارية، للوقوف أمام التنافسية الرقمية، لتصبح خبرات ملهمة مبنيّة على علاقات تجارية».
وتضمنت الجلسات الحوارية حوارًا جمع روّاد أعمال ممن اتفقوا على ضرورة البدء في تنفيذ الأفكار والتصاميم والصناعات الإبداعية والفنّية بأدوات إبداعية، للوصول إلى ما يسمى بالاقتصاد المتّنوع بعلامات تجارية سعودية.
الجدير بالذكر أن مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء»، أطلق موسم الإبداع «تنوين 2021» هذا الأسبوع الذي يعد أكبر مواسم الإبداع في السعودية، حيث يعود هذا العام تحت شعار (الأدوات: تشكيل الإبداع)، بمشاركة 30 متحدثا بارزا، وتقديم 10 دورات احترافية، و7 ورش عمل مبتكرة، و4 تجارب فريدة من نوعها، وذلك ضمن 4 مسارات إبداعية تثري نهاية كل أسبوع.
تشجيع الموهبة.. وإلهام العقول
ويقدم إثراء لزوّاره تجارب جديدة وملهمة تغذي الإبداع والشغف بالتعلم، وتثري الثقافة، إذ يعد منارة للتغيير ونافذة على التجارب العالمية من خلال تشجيع الإبداع، وإلهام العقول، وتمكين المواهب، ومع تقدم الابتكار والتكنولوجيا؛ تحرص المملكة العربية السعودية على مواكبة هذا التطور بوتيرة متناغمة.
قدمت أرامكو السعودية هذا المشروع بما يحمله من قيمة عالية للمجتمع، إذ عملت على أن يكون إثراء بيئة خصبة للابتكار والتجربة عبر تحفيز المواهب وتمكين الإبداع، وذلك من خلال رعاية الفنون والآداب والعلوم.
وتشتمل مرافق إثراء على عدد من الأقسام المتنوعة وهي مختبر الأفكار، والمكتبة، والمسرح، والسينما، والمتحف، ومتحف الطفل، ومعرض الطاقة، والقاعة الكبرى، وبرج إثراء، وتمثّل هذه الأقسام مرافق ملهمة وجاذبة للعقول وقادرة على تقديم تجارب فريدة للزوّار.
الإبداع والثقافة والمعرفة
وفي صميم مركز إثراء، كل مكون من مكوناته يصبو لدعم الركائز الأساسية وتقديمها ضمن الأنشطة والفعاليات والبرامج والمبادرات التي تقام على مستوى المملكة العربية السعودية بمختلف مناطقها، كمصدر جديد ولا محدود من المعرفة والإبداع، وذلك لإشباع فضول العقول الراغبة في التعلم والابتكار، إذ يعمل إثراء على بناء مستقبل جديد لمجتمع قائم على المعرفة والابتكار من جهة وتراثه وثقافته الغنية من جهة أخرى.
التاريخ
يقع مركز إثراء في ذات البقعة التي تم اكتشاف فيه أول ينبوع للنفط بكميات تجارية في المملكة العربية السعودية بمدينة الظهران، المعروف باسم بئر الخير، وبينما يشيد المركز بالثروة الناتجة عن اكتشاف النفط؛ فإنه بدوره يمثل الآن مصدرًا مختلفًا للطاقة، وهي الطاقة البشرية، حيث خطّت مبادرة أرامكو السعودية خطواتها الأولى نحو المستقبل وبدأت رحلتها الطموحة بالعمل في الفترة من 15 جمادى الأول 1429هـ الموافق 20 مايو 2008م، وقد وضع حجر الأساس للمشروع آنذاك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- خلال حفل التدشين، وتم البناء ليفتتح المركز أبوابه للجمهور في عام 2018م.
الهيكل الإنشائي للمبنى
وقد حصل مركز إثراء على أعلى فئة من جائزة «التميز» من المعهد الأمريكي للخرسانة ACI في حفل توزيع جوائز الإنشاءات الخرسانية في أكتوبر 2019م، وهو ما يسلط الضوء على هيكل المركز وتطوره على المستوى العالمي، حيث تم تصميم المبنى على هيئة مجموعة من الأحجار التي ترمز في تجمعها إلى الوحدة، وذلك من قبل الشركة المعمارية النرويجية سنوهيتا.
ويعد المركز صرحًا معماريًا، حيث يغطي المبنى ومرافقه مساحة تبلغ 80 ألف متر مربع، ويشمل المبنى المثير للإعجاب على المكتبة المكونة من 4 طوابق، وبرج إثراء المكون من 18 طابقًا، ومختبر الأفكار والمكون من 3 طوابق، ومعرض الطاقة، ومتحف يضم 5 صالات للعرض، وسينما تتسع لـ315 مقعدًا، ومسرح لفنون الأداء يتسع لـ900 مقعد، والقاعة الكبرى والتي تبلغ مساحتها 1500 متر مربع، ومتحف الأطفال.
عناصر المبنى
يتكون هيكل المبنى من أنابيب فولاذية مقاومة للصدأ، ومُشَكَّلة بطريقة هندسية وتصنيعية معقدة، بحيث تظهر وهي تلتفّ حول المبنى من الخارج، حيث دُعِّمت التقنية الحديثة في البناء باستخدام تقنية قديمة؛ وهي التربة المدكوكة التي تعمل على مقاومة الحريق وعزل الصوت باستخدام مواد طبيعية مضغوطة من الرمل والحصى والطين، حيث التزمت عناصر المبنى أن تكون وفق المعايير الدولية والمقاييس المعروفة LEED المعتمدة بالدرجة الذهبية، حيث يعد استخدامها عالي الكفاءة بتوفير الطاقة لسنوات عديدة.
الرسالة والرؤية
تعد صناعة الأفلام السعودية هدفًا رئيسيًا في إثراء، إذ يقوم المركز بتسليط الضوء على المواهب المحلية وتكريم صانعي الأفلام والمنتجين الطموحين، كما يقوم بعرض أفلام وثائقية وتعليمية وثقافية من مختلف أرجاء العالم، وتوفر صالة عرض السينما 300 مقعد، مزوّدة بأحدث التقنيات المطلوبة لعرض الأفلام، وتعرض أفلام من صناعة الفيلم السعودي بالإضافة إلى الأفلام العالمية المشهورة والمفيدة، كما تستضيف سينما إثراء ورش عمل، ومحاضرات، ونقاشات مباشرة مع العديد من المشاهير والخبراء المعروفين، وتعد سينما إثراء منصة دائمة مصممة للمساعدة في إيصال الإنتاج الإبداعي والثقافي والوثائقي للمملكة إلى منصات عالمية.
مجتمع أفلام إثراء
ويجمع مجتمع أفلام إثراء صانعي الأفلام من (مخرجين، وكتاب، ومنتجين وغيرهم) بغرض مناقشة وتبادل الأفكار حول صناعة الأفلام والسينما، وهناك إنتاج دوري لأفلام إبداعية من قبل إثراء، تثري بها المجتمع السعودي وتعكس صورة المملكة داخليًا وخارجيًا، كما تعد أيام الفيلم السعودي مبادرة يتم تنظيمها من قبل مركز إثراء لتحفيز ودعم صنّاع الأفلام في المملكة، ويسعى مهرجان أفلام السعودية إلى تحفيز صناعة الأفلام ودفع عجلة التنمية الثقافية في المملكة، وتأمين فرص للفنانين السعوديين المهتمين بصناعة الأفلام والاحتفاء بأفضل أفلامهم.
المكتبة
وتوفر مكتبة إثراء باقة من المواد التعليمية والأنشطة المتنوعة ما يلهم روّادها من جميع الأعمار والخلفيات ويثري معرفتهم، فالمكتبة مصممة للتشجيع على التعلم الفردي والجماعي مع تنمية حب القراءة والاستكشاف وطلب العلم، وهي من أكبر المكتبات العامة في المنطقة، مع مقتنيات تربو عن 270 ألف كتاب مطبوع باللغتين الإنجليزية والعربية و10 آلاف كتاب بين صوتي ورقمي موزّعة على أربعة طوابق في شتى موضوعات المعرفة البشرية، وتمتلك مكتبة إثراء باقة متنوعة من المصادر الرقمية بالعربية والإنجليزية، منها كتب مسموعة وكتب رقمية، ويتم التحديث والإضافة إليها بشكل مستمر. تنقسم المقتنيات إلى 60 في المائة باللغة العربية و40 في المائة باللغة الإنجليزية ويمكن للزوّار التمتع بقراءتها داخل المكتبة أو خارجها، وتحتوي المكتبة واحدة من أفضل المساحات العملية المجهزة بالحواسيب للاستخدام العام في المنطقة الشرقية، كما تقيم فعاليات توقيع كتب ومحاضرات خاصة لضيوف محليين وعالميين بارزين، بالإضافة إلى برامج قراءة القصص للأطفال ومسابقات أدبية وحلقات التاريخ الشفهي، ومن مكتبة إثراء انطلقت مسابقة القراءة الوطنية (اقرأ) وهي إحدى برامج إثراء الرائدة التي استقطبت أكثر من 70 ألف مشارك ومشاركة من جميع المراحل الدراسية منذ إطلاقها عام 2014م.