مسعدة اليامي - «الجزيرة الثقافية»:
الكاتب الروائي من نجران صالح بن عايض أو كما يحب أن يُقال عنه ابن عايض صالح بأسلوب فلسفي يحدثنا عن كيفية التنمية الذاتية الثقافية وكيف أن لذلك أهمية في كيفية يصنع وينمي الكاتب ثقافته وأن كانت مؤلمة ويوضح أنهُ يحاول أن يجد ذاتهُ ما بين العزلة والتيه في الآخر كما أن يقر أنه يكتب يوميات ويرى أن التدريب شيء رجعي وأن ذلك العمل أقرب إلى جلسات التبصير.
> نفتتح البيان بحسن الكلام عن بداياتك الإبداعية وكيف كنت تغذي الذات المعرفية؟
- البدايات الإبداعية بذورها الآلام ومآسي تلزم الذات بقبول الواقع لينكشف لها ما وراء الحجب كهدية رمزية على ثباتها، ومثلما كتبت في الغياف «في بطن كل مأساة جرح مزمن» وربما تكون تلك التراكمات سبب فيما لا علاج له.
هي من مبدأ ومن قتل مظلوماً جعلنا لوليه سلطاناً، كل حلم وكل أمل وكل حياة تمنيتها أو أردتها ولم تحصل عليها أنت بالمقابل تحصل على ما هو أسمى منها علمت بذلك أم لم تعلم.
التغذية في أغلبها (فيض) وربما تأتي من الخارج تمام مهما حاولنا أن نوهم أنفسنا بأننا نحرك الذات، ربما نتعلم شيئاً وربما نفهم شيئاً وربما تقودنا الرغبة لفعل شيء ما، ولكن البعيد يأتي منه الكثير.
الحياة المؤلمة والقاسية وخصوصاً في مرحلة الطفولة هي أكبر رافد معرفي لذا أنا أعيش حياة مترفة بالعلم المعرفة وما نقص أردفته بأحلام اليقظة.
> قيادة الأفكار تعلمك القيادة كيف ذلك, وهل طبقت ذلك في كتاباتك ودوراتك التدريبية وهل كان لذلك نتائج واضحة؟
- قيادة الأفكار تعلمك القيادة، تختصرها عبارة «من عرف نفسه عرف ربه» ولكن أينا عرف نفسه؟!
ليس الأمر بالهين واليسير، وأقرب مثال عندما نسأل الشخص ما هي نقاط قوتك، فالأغلبية تفكر ولا تجيب، كتابي يختصرها في مفهوم الفكرة الحاكمة، أي كأسك المقدسة للتعايش والعيش، بمعنى اكتشاف رسالتك في هذه الحياة لمَ أنت هكذا؟ أو هي أبلغ وأمثل وسيلة تواصل أنا مع ما سواك الأنا والهو.
للأسف نعيش نسخة مشوّهة من الآخرين لأننا نتمناهم ولديهم أفضل منهم ولكننا لم نتعلم كيف نكتشف ذواتنا.
- أطبقها... أصدقك القول، أنني أحاول ألا أكون شيئاً ليس ذاتي، أطهر ما لوث فكري وعلمي، وانتظر فكرتي الحاكمة رغم أنني أعلمها علم اليقين ولكن ولادتها مكتملة لم يحن حينها لأسباب لا أعلمها.
أحاول أن أجد ذاتي في تأرجح بين العزلة والتيه في الغير.
إنني ومن خلال ما أسميها جلسات تبصير، وأعتقد مفهوم تدريب شيئاً رجعياً، في هذه الحقبة من الزمان، لقد تسبب في عقم الفكر والمهارات الكثير من المنهجيات التي انتهجناها واستنسخناها من أمم غيرنا ربما نجحت عندهم في زمن ما، ولكننا يجب أن نبتكر مناهجنا التي تلائمنا.
> الرواية ديوان المرحلة الحالية في الأوساط الثقافية العربية ماذا تعني لك الرواية و خاصة أن لك أربع روايات؟
- الرواية بشكلها الحالي دخيلة على الأدب العربي كحال الشعر العمودي بدون الوزن والقافية، نعم جميل ونعم أحبه، ولكنه لا يمت للعربية بصلة، العربية مرهفة الحس شاعرية موسيقية، ويبقى ديوانها الشعر، ونظراً لأن الشعر العامي ساد على غيره فاجتهد من يغتصبون طبقة الأدب ليزيحوه ويجلسوا مكانه لون أدبي دخيل.
الرواية في التراث العربي مثل قصة بني هلال، تحتوي على الشعر والكلام المسجوع، الرواية العربية تتخللها المساجلات والحوارات الشعرية، وكما هي حالة الحروب التي يعيشونها، لا يوجد معركة من معارك العرب إلا وهي في الشعر لذا تأريخ الحروب والرواية اقترن أو تثبت بالشعر.
وكان الشاعر يقول ويفعل ومثلما قال عنترة «إن كنت تعلم يا نعمان أن يدي/ قصيرة عنك، فالأيام تنقلب»
ومثلما قال راكان «والله لبوج لها الطريق/ لعيون براق النحر»
> من أين تستوحي أفكار رواياتك و أي تلك الروايات تشعر أنها المنجز الأهم في مشوارك السردي؟
- أنا لا استوحي أفكار رواياتي أنا أكتب يومياتي، ربما هي عادية وكل يحسب بأن قصته مثيرة، ولكنني أيضاً هذا ما أصبو مشاركة النتيجة أو العبرة، بل لدي يقين بأنني توصلت إلى تجارب وحياة ربما تكون ذات فائدة لو شاركتها الغير.
لقد خرجت من واقع الحياة الرتيبة التي نعيشها، حتى هالني تفاهة ما نعتقده مهم. ربما تجاربي غير مناسبة لأن أحكيها ولكني ألمحت لها.
حتى اللحظة لا أصنف نفسي كاتباً، مثلما ذكرت لوزير العمل عندما قدمت له كتبي أثناء مناظرة معه في آلية حل مشكلة البطالة وتقديم إستراتيجية نادي أرزاق لحل البطالة دون أن تدفع الوزارة ريالاً واحداً، وسألته كيف يحل البطالة شخص لا يفقه فيها شيء؟ قلت له: لقد كتبت لكي لا تأخذني يوميات الحياة القاسية إلى ارتكاب الجرم أو الانحراف عن الجادة، فالإنسان طاقات وبعد السنة الأولى في عالم الحاجة والعوز والعزلة التي يفرضها المجتمع على من كان بلا عمل ودخل، جديرة بأن تزج بالمرء إلى كل العوالم وكل الأفكار.
> نثرت سيرتك الذاتية في رواياتك وبخاصة تجربتك العلمية في الصين ما الغاية من ذلك؟
الصين بلد عظيم وجهلنا به جعلنا نتأخر في مواكبة الحدث العالمي الذي يحدث، العلم الآن في الصين، ولا نريد أن نيمم وجوهنا من الغرب إلى الشرق، ولكنني اطمح لأن نثق فيما لدينا وننتهج مناهج الأمم في دراسة تاريخها وعلمها وتطويره والاستفادة من تجارب الأمم ولكن ليس على حساب الهوية، كل شيء في الصين صيني حتى الإسلام صبغوه بصبغتهم.
> رواية الغياف أقرب إلى السيرة الذاتية من كونها رواية كون تجربتك متجلية في المتن و ليس في الهامش ماذا تقول عن ذلك؟
- رواية الغياف، هي سيرة ذاتية لكتاب كنت أنوي كتابته «أربعون ليلة هكذا فكرت» ولكنها كادت أن تقضي عليّ فخبئت الكتاب سبع سنوات ومن ثم أكملت كتابته في الصين وكان من أحد قراراتي المتهورة والذي ندمت عليه.
> رواية كفانا حزنا , هل نحن نكتب واقعنا أو هو من يكتب نفسهُ أم أن الكاتب فعلاً أنهُ أبن بيئته؟
- كفانا حزناً، كانت لتمجد شاب (كداد) التقيتهُ مصادفة في مطار جازان وحكى لي قصته خلال نصف ساعة مع العالم لأجل أمه، وألهمتني لأن أكتب تمجيد للأحلام مهما كانت صغيرة.
الكاتب ابن الأحلام، وكاتب لا يحلم ليس بكاتب، كاتب ينسج الواقع أو الواقع المتخيّل هذه مشوه للحلم.
> رقصة الهرداء سيرة الحزن والحنين, هل ذلك توثيق لمعاناة حقيقة و ما هو موعد رقصة الهرداء, وما هي الهرداء؟
- الهرداء نبته نجرانية تأتي بعد المطر تزين الجبل والسهل، عمرها قصير، ووهمهما أكبر،
إذا هبت النود (النسائم) تمايلت ورقصت بشكل عجيب ولكنه مبكي، منها أخذت سردية الحزن والحنين، فقدان من تحب ليس بالشيء الذي يمكن التعبير عنه، ولكنك تواسي نفسك بشيء من الوهم الكتابي.
> حدثنا عن أهمية المكتبة,وأين مشروعك المكتبة المتنقلة, وكيف تقرأ وضع المكتبة العامة اليوم؟
- المكتبة وجه المنزل ومنزل بلا مكتبة لا وجه له، المكتبة أسمى ما يمكن أن تقتنيه، ويكفي أن الدول مباهاتها فيما بينها بالمكتبات. هي رمزية للتحضر والسمو.
مبادرة كتاب وثواب ما زالت تتنفس، حيث أبيع الكتب على قارعة الطريق، ولكنني لا أقبض الثمن، بل نوجه المشتري ليهدي بنفسه الثمن لمن يحب.
أطمح لأن أكون سبباً في كسر العزلة بين مناظر الكتب والحياة اليومية أريدها أن تكون طقساً يومياً، أطمح لشارع قس بن ساعدة مزدحم بالكتب ودور النشر والقراء والمكتبات في نجران، ولقد شمرت عن سواعدي وبدأت في مراحل تأسيس أكاديمية الحكماء وأطلقت ملحمة نجران موسوعة الشعر والشعراء ونحن الآن في الأربعين ألف بيت.