محاورون يبذلون جهدا مضنيا لأجل حوار ثقافي؛ لكنهم أحيانا يُصدمون بمواقف؛ لتُكوّن حكايا تبقى في ذاكرتهم... مُحاوِرون في الثقافة يروون شيئا من تلك الحكايا للمجلة الثقافية:
طامي السميري: كنتُ أحاور أشباحا
في بداية مشواري الصحفي اهتديت إلى طريق يلائمني ويناسب شغفي بالرواية، لذا مضيت في سكة الحوارات الروائية وكان سمة تلك الحوارات أنها حوارات هادئة بعيدة عن الضجيج والإثارة فهي تسائل النص الروائي، لذا اكتسبت أهمية بمرور الزمن لدى الناقد، وكذلك أصبحت مرجعا عند الباحث في الرواية السعودية. وبرغم هذه الرحلة الطويلة في الحوارات إلا أنها لم تثمر بمواقف أو حكايات صاخبة ولكن هناك حوارات تركت في داخلي انطباعاً ما. فعندما أجريت الحوار الأول مع الشاعر محمد العلي كان في مزاج سيئ وكان يجيب على أسئلتي بجملة واحدة فقط. مما أرهقني في متابعة الأسئلة. لكنه في حوار آخر أجريته معه كان متدفقاً وخرجت وأنا ممتلئ بإجاباته. كذلك عندما ذهبت إلى مكتب د. عبد الله الغذامي كنت مترددا ومتوجسا من عدم نجاحي في محاورته واهتديت إلى أن يكون الحوار عن الرواية السعودية والحمد الله نجح ذلك الحوار وأثار ردود فعل قوية عند الروائيين السعوديين أكثر مما توقعت. كذلك أجريت حواراً مع د. تركي الحمد عبر الهاتف وعندما انتهى الحوار اكتشفت أن جهاز التسجيل لم يعمل واقترحت عليه إعادة الحوار فوافق على أن تكون الأسئلة مكتوبة ولكن عندما قرأ الأسئلة رفضها بحجة أنها أحكام وليست أسئلة. ومشكلة الرفض تكررت كثيرا مع العديد من الروائيين والروائيات سواء من السعوديين أو العرب – فالروائي منهم يوافق على إجراء الحوار ولكن عندما يقرأ الأسئلة يرفض ويتجاهل بحجة أنها أسئلة نقدية. الوحيد الذي اعتذر وبلطافة عن إجراء الحوار وكان شفافا في اعتذاره هو الروائي حجي جابر وأقدر له هذا الأمر. وربما من المواقف الطريفة أنني أجريت حوارا مع الروائية صبا الحرز مؤلفة رواية (الآخرون) وكذلك مع الروائية وردة عبد الملك مؤلفة رواية (الأوبة) وهما روائيتان كتبتا روايتيهما بأسماء مستعارة وتم الحوار معهما عبر الإيميل وكنت أجهل شخصيتهما الحقيقية وحتى الآن أجهلهما، لكن الشعور الذي لازمني وأتذكره عندما حاورتهما أنني كنت أحاور أشباحا، لأنهما شخصيات مجهولة تماما. ومع هذا كانت تلك الحوارات رائعة وفيها إجابات عميقة وواعية.
مازن العلوي: تحول إلى قضية كبرى رفعت رصيد الصحيفة
في مارس من عام 2001، كان عمر صحيفة الوطن في أبها حوالي نصف عام، وكنتُ آنذاك محرراً ثقافياً قبل أن أتولى رئاسة قسمي الثقافة والرأي، وجاء على وكالات الأنباء خبر يتحدث عن 14 مثقفاً عربياً بارزاً أصدروا بياناً يطالب الحكومة اللبنانية بمنع عقد مؤتمر يشارك فيه متخصصون لتفنيد قصة غرف الغاز في قضية المحارق النازية لليهود.
شدتني الأسماء الموقعة على البيان، ومنها أدونيس والراحل محمود درويش وإلياس خوري ومحمد برادة، لذا لم أفضل نشر الخبر كما ورد، فالفكرة تصلح لقضية ثقافية جدلية، فاتصلت بأدونيس في باريس، لكنه لم يقبل بتوضيح أسباب توقيعه على البيان، وكذلك فعل محمود درويش الذي كلمته على هاتف منزله في عمّان قائلاً إني وقّعت ولا أكترث.. وبقي أمامي خيار الطرف الآخر الذي أُدرك تماماً أنه يرفض فكرة البيان من جذرها، فاتصلت على الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب حينها د. علي عقلة عرسان في دمشق، وشرحت له الأمر، فاحتد وخوّن من وقعوا على البيان، ورأى أنهم يقفون ضد الأمة العربية ومشاعرها.
هنا شعرت أن الموضوع سوف يكبر، فتشاورت مع نائب رئيس التحرير د. عثمان الصيني في أخذ القضية كعنوان مع ملخص في الصفحة الأولى، وأبدى رئيس التحرير آنذاك قينان الغامدي إعجابه بالموضوع قائلاً إن مثل هذه القضية قد لا تتكرر بعد قرن، وكان أن تصدّرت المادة الصفحة الأولى تحت عنوان يشير إلى أن المثقفين العرب في مأزق سياسي، فيما اكتفت الصحف الأخرى المحلية والعربية بنشرها كخبر في صفحة داخلية، لأفاجأ في اليوم التالي بمراسل لنا في أوروبا يقول لي إن محمود درويش ينتظر اتصالاً منك، وكلمتني مراسلتنا في باريس فابيولا بدوي قائلة إن أدونيس قرر توضيح الأمور لكنه اشترط أن يكلمه رئيس التحرير.
إذن، هي قضية ثقافية كبيرة، فاتصلت بأدونيس الذي نسي أنه اشترط محادثة رئيس التحرير، وأبلغني أنه سوف يرسل توضيحه بالفاكس بخط يده، فقلت له إنّا سوف ننشر ما يرسل كتابة وصورة، فضحك قائلاً: إنها جرأة من صحيفة سعودية أن تنشر رسالة بخط يدي، ولم يكتفِ بذلك بل أعطاني أرقام بعض الموقّعين، ومنهم الراحل إدوارد سعيد في أمريكا. وأخذت من محمود درويش تصريحاً عن القضية التي امتدت أكثر من شهرين، وشارك معي فيها الزملاء المحررون و المراسلون، إذ خصصنا لها في القسم صفحة يومية، ودخلت في القضية أطراف كبيرة، ووصل إلى الصحيفة تهديد بالمقاضاة من مركز أمريكي نشرناه كما جاء، وقرر اتحاد كتاب الأردن تبني المؤتمر، لكن ضغوطاً أمريكية عليا منعت ذلك.. وانتهى المطاف بحلقة في برنامج الاتجاه المعاكس، قدمتُ فيها مداخلة.. والنتيجة أن خبراً ثقافياً صغيراً تحول إلى قضية كبرى رفعت رصيد الصحيفة الوليدة دولياً ومحلياً.
ميسون أبوبكر: الإعلام حياة المفاجآت
العمل الإعلامي محفوف بالمفاجآت والمتاعب، لكنه أعطاني الكثير وكان الجامعة الحقيقية التي علمتني ما لم أتعلمه على مقاعد الدرس النظري، وتخرجت منه أكثر خبرة وبشخصية شكلتها الأيام والسنوات.
لم أندم يوما أنني تركت الطب لأتجه للإعلام فلو كنت مع الخيار الأول لكانت اليوم حكاياتي بين الأموات والأحياء ومع غرف العمليات وأنابيب الأكسجين، لكنني اخترت الإعلام لأنه المبهر الآسر، العذب الصعب، الذي يصنع الحياة لضيوفه حتى بعد رحيلهم، ويخلد ذكراهم حتى إن واراهم الثرى.
ولعلي إن قررت اختيار حكاية من مواقف لحلقات وصلت 1700 حلقة تلفزيونية صورتها في أربع قارات لكان من الصعب انتقاء واحدة دون الأخرى لكنني من مدينة النور باريس سأقص عليك إحداها.
كنا فريق عمل القناة الأولى مع رحلة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في باريس ضمن جائزة خادم الحرمين العالمية للترجمة في شتاء عام 2009م، كنت اقترحت وقتها على فريق العمل مع مدير البرامج الأستاذ فهد هديب أن يكون التصوير خارج الفندق لينقل للمشاهد أجواء رحلتنا وحضور الجائزة في مدينة النور وفي أحضان أبرز معالمها، فكان اختيار موقع التصوير مقهى باريسي يطل على برج إيفل، ولا تتخيل المنظر والشمس بدأت في المغيب وأنوار باريس تتراقص عاكسة فضتها على المدينة الوردية.
السيارة التي استأجرها التلفزيون السعودي للبث ونقل الحلقة مباشر كان معظم طاقمها أتراك لا يجيدون العربية ولا الإنجليزية مما عرقل العمل طويلا وأخر موعد بث الحلقة وهي أمور متوقعة في البث المباشر والحي خارج الاستديوهات، لكن المشكلة أننا أخرنا الضيوف كثيرا وهم ملزمون بجدول حافل من المحاضرات واللقاءات أضف أن أحد ضيوف الحلقة وهو أستاذنا الكبير عبدالواحد لؤلؤة أتعبه طول الانتظار في شتاء باريس القارص، وثم سقط المطر ليغمر أوراقي وملابسي وملابس الضيوف، واستطعنا أن نظفر ببث عشرين دقيقة مباشر قبل أن يصبح المطر غزيرا ومواصلة اللقاء مستحيلا.
خفت على الرجل المسن الذي كان يرتعش من البرد والمطر وحاولت أن أجد وشاحا أو قطعة قماش لتدفئة جسده البارد.
الدكتور سعيد السعيد الأمين العام للجائزة والدكتور عبدالحق عزوزي تجاوزا الأمر بل تقبلاه بروح مرحة ففي بلادنا نتوق إلى المطر لكثرة الأيام المشمسة.
هناك الكثير مما يحتاج حلقات فالإعلام حياة المفاجآت وقليلون هم من يعملون به لأجل إرضاء شغفهم بعيدا عن أنه مجرد وظيفة.
حسن آل عامر: البلسم الذي عالج الكثير من الندوب
شخصيا مررت خلال عملي في القسم الثقافي بصحيفة»الوطن» لمدة 13 عاما، بالكثير من المواقف والمفاجآت والصدمات وبعض الأفراح.
ولعلي هنا أذكر المواقف الإيجابية قبل السلبية، ففي السنة الأولى لعملي متفرغا (2002م) أجريت حوارا مطولا مع الأديب الراحل عبدالله نور ـ رحمه الله ـ وهو كما يعرف الجميع صاحب آراء مثيرة في الجوانب اللغوية والأدبية بشكل عام. وعندما أبلغت نائب رئيس التحرير وقتها الدكتور عثمان الصيني لم يأخذ الموضوع بجدية في البداية، معتقدا أن الأمر مجرد دردشة مع نور، لكن بعد أن قرأ النص أشاد به جدا وخصص له صفحة كاملة وهي حالة نادرة جدا في «الوطن» وقتها مع اهتمامه شخصيا بكل تفاصيل الإخراج والنشر وهو ما أعطاني دافعا كبيرا لزيادة الجهد. أما الموقف الثاني فكان بعد أن أجريت حوارا مع الروائي إبراهيم شحبي أثناء قضيته الشهيرة (الاتهام بالعلمانية) حيث أحدث نشر تفاصيل القضية على الصفحة الأولى عام 2004 م صدى كبيرا وكتبت عن القضية عشرات المقالات. لكن الموقف المؤثر بالنسبة لي والذي ما زلت احتفظ به في ذاكرتي هو ذلك الاتصال الذي وردني من رقم لم أعرف صاحبه إلا بعد أن عرّف بنفسه، كنت أعرفه كشاعر مبدع لكن لم يكن لي شرف التواصل معه قبلها، ذلك المتصل كان الدكتور عبدالله الوشمي الذي أشاد جدا بنشر هذه القضية معتبرا الموضوع أبرز ما في الصحافة الثقافية منذ سنوات.. الجميل أن الكلام المحفز جاء في الوقت المناسب بالنسبة لي حيث كان بمثابة البلسم الذي عالج الكثير من الندوب التي كنت أعانيها في تلك المرحلة.
أما المواقف الصادمة فهي كثيرة ولكن من أبرزها موقف أديب سعودي معروف فاز بجائزة دولية وجاء خبر فوزه على إحدى وكالات الأنباء العالمية في وقت متأخر حيث كانت الصفحة الثقافية قد أغلقت وأر سلت للطباعة، ولكن لحرص القسم على إعطاء الحدث ما يستحقه من اهتمام تم إيقاف الصفحة وتخصيصها بشكل كامل لتفاصيل خبر الفوز وتحليل للعمل الفائز وانفوجرافيك موسع عن الأديب وأعماله السابقة ورسم بالكمبيوتر لصورته. ولا شك أن هذا كان جهدا كبيرا بذل من أجل إبراز هذا الإنجاز. وفي اليوم التالي تفاجأ رئيس التحرير برسالة غاضبة من الأديب الفائز لأن صورته المنشورة لم تعجبه كثيرا وكان يرغب في غيرها، والأغرب أننا كنا الصحيفة الوحيدة التي احتفت به ونشرت مباشرة تفاصيل فوزه.
وفي حكاية الصور موقف آخر حدث لي مع شاعر من جيل الثمانينات شارك معه شاعر آخر من الجيل نفسه في نقاش قضية طرحت في الصفحة الثقافية، حيث تفاجأت في اليوم نفسه برسالة منه تحوي عبارات غاضبة جدا واتهام لي بمحاباة زميله الشاعر الآخر وكل ما في الأمر أن صورة الشاعر الغاضب كانت تحت صورة زميله معتبرا هذا الأمر إهانة كبيرة له ومتعهدا بعدم المشاركة معنا مرة أخرى.
ليلى المطوع: إلى الآن أتذكر لطافتها وكرمها وحسن أخلاقها
من المواقف التي لن أنساها ومن الحوارات التي أتذكرها للآن حواري مع الفنانة البحرينية الشابة صابرين بورشيد، حيث إني كنت أعمل في مجلة وطلبوا مني التواصل مع فنانة لوضعها على الغلاف، ولأني كنت حديثة العهد في هذا النوع من الصحافة، ولا أعمل في الملاحق الفنية ولا تواصل لي مع الفنانين، قررت التواصل مع الفنانة البحرينية صابرين لأني سبق والتقيت بها. كانت مشغولة في تصوير عمل درامي، فشرحت لها موقفي فتجاوبت معي، كانت داعمة جدًا للشباب البحريني، ومشجعة لهم، وتحاول تقديم كل ما تستطيع لمساعدتهم، كان الحوار جميلاً، وقامت بإجراء جلسة تصوير وبعثت لي الصور للنشر، حدث هذا قبل وفاتها، بعدها دخلت في دوامة المرض، وانتقلت إلى رحمة الله. إلى الآن أتذكر لطافتها وكرمها وحسن أخلاقها مع الجميع، وهذا الحب النقي لكل أبناء وطنها.
أما بقية الحوادث الطريفة التي تحدث فهي الخلاف بسبب الصورة، حيث يصر بعض الضيوف على إرسال صور بها فلاتر من سناب شات، ويغضبون في حالة استبدالها أو رفض نشرها لأنها ذات جودة غير صالحة للطباعة.
ومن المواقف الصادمة بالنسبة لي هو قيام صحفية بنشر حوار كامل معي في أحد المجلات المعروفة، رغم أنها لم تتواصل معي نهائيًا، وقامت بوضع أسئلة وتركيب تغريداتي عليها كجواب على السؤال، وجمع أجوبة من حوارات سابقة لتتناسب مع أسئلتها، صدمت من فعلتها خاصة وإني عندما بحثت عنها وجدتها صحفية معروفة، وتساءلت لِمَ لم تتواصل معي؟ كنت سأمنحها أجوبة أفضل وحوارا أجمل بدلاً من التصرف بهذه الطريقة.
عبده وازن: آخر حوار أجري مع الماغوط
أجريت حوارات كثيرة خلال عملي الصحافي الذي بدأته باكر عام 1979م وكنت لا أزال أدرس في الجامعة. حاورت أسماء كبيرة لبنانية وعربية وعالمية، ولن أذكر الأسماء لأنها كثيرة جدا. لكنني أعتقد أن أطرف حوار أجريته في عملي الصحافي كان مع الشاعر محمد الماغوط وتحديدا في دبي عندما فاز بجائزة العويس، وكانت صحته قد تدهورت. التقيته في غرفته في فندق البستان وكان يرافقه طبيب شاب يظل معه وهو قريب له، وجاء معه من دمشق، لأنه كان يشرف على إعطائه الأدوية وكانت غير قليلة. أما الأطرف فهو يشعل له السيجارة بعد السيجارة. وأذكر أن غرفته كانت مليئة بالدخان. رحب بحواري معه آنذاك في جريدة «الحياة» خصوصا أنه كان يحب الجريدة ويحب الكاتب غسان شربل رئيس تحرير مجلة «الوسط» التي كان يكتب فيها، ثم جريدة «الحياة». بدأت الحوار وطرح السؤال وراء السؤال، لكنه كان يتوقف كثيرا ليأخذ مجة من السيجارة. ثم يواصل الكلام وقد نسي أين أصبح، فأذكره. لم يستفض في الكلام كثيرا، كان متعبا وسكان لطيفا جدا وهجوميا كعادته لكن بعض الكلام بدا كأنه متخيل. ومما قاله لي أنه كتب جزءا كبيرا من مسرحية «المحطة» لعاصي ومنصور الرحباني والسيدة فيروز. ولكن ما إن صدر الحوار في الجريدة اضطر منصور الرحباني إلى تكذيبه ونفي الكلام كله.
للمصادفة كان هذا الحوار الممتع الغريب آخر حوار أُجري مع الماغوط، فهو توفي بعد نحو شهرين، وكانت صحته ساءت كثيرا. خلال الحوار سألته ممازحا: هل الدكتور هو نديمك أم طبيبك؟ فضحك كعادته. كان حوارا طريفا جدا، ربما غير عميق وغير شامل، لأنه كان يجيب فقط عن الأسئلة الخفيفة.
علي فايع: يعيش لحظاتها الحلوة والمُرة المحاوِرُ وحده.
عملت الكثير من الحوارات الصحفية كان حصيلتها كتابان صدرا خلال السنوات الماضية، والثالث معد للطباعة.
هذه الحوارات مع شخصيات سعودية وعربية لها نتاج أدبي معروف ومقروء ولا شك أن خلف هذه الحوارات كواليس لا يعرفها القارئ ولا المتابع وإنما يعيش لحظاتها الحلوة والمرة المحاوِر وحده وبعض القريبين منه.
يمكنني تلخيص بعضها في حكايات سريعة ومواقف من أبرزها أنني أقنعت ناقداً كبيراً بنفسي في تويتر من خلال تغريدة كلت له فيها المديح على غير عادتي، مدحتُ في تلك التغريدات كتاباً صدر له حديثاً، وكنت أرغب في محاورته فتابعني، وأقنعته بالحوار معه فاقتنع، بعثت له الأسئلة وكانت نقدات ومكاشفات لما في الكتاب من هنات، فما كان منه بعد قراءة الأسئلة إلاّ الاعتذار عن الإجابة، لأنه كما قال مسافر، ولما عاد كتب لي معتذراً عن الإجابة بشكل نهائي بحجة أنّ الأسئلة تشرح ما كتب وتلخصه للقارئ!
أما الموقف الأكثر مرارة بالنسبة لي فقد كان مع شاعر بعثت له الأسئلة لحوار مطول حول تجربته الشعرية وآراء النقاد في هذه التجربة، وكانت الأسئلة له وعليه فلم يجب، وقرأت له حواراً منشوراً في إحدى المجلات فعاتبته على تجاهل أسئلتي وعدم الإجابة عليها، فبعث لي أسئلة قام بإعدادها والإجابة عليها لأنشرها بدلاً عن أسئلتي التي بعثتها له، ولكنني رفضتها ولم أقبل بغير أسئلتي، ليجيب عليها، وتفاجأت بأنّ الأسئلة التي وضعها وأجاب عليها ورفضتها قد نشرت كما هي في صحيفة مرموقة وقتها وباسم محرر آخر!
الموقف الأخير لأكاديمي لم يكن معروفاً وقتها بشكل جيد في الساحة الثقافية عملت معه حواراً في صفحة كاملة جاهدت مع الزملاء في الصحيفة أن يُمنح هذه المساحة التي عادة لا تمنح إلاّ لأسماء معروفة وفعلاً نشر الحوار في صفحة كاملة وبشكل لا أظنه كان يحلم به وبعد نزول الحوار بوقت قصير ألغى متابعتي في تويتر وفيسبوك وأظنه حظرني في الواتساب لأسباب لا أعلم ما هي إلى هذه اللحظة!
سوسن الأبطح: خوف الشريط الفارغ، جعلني لا أجري مقابلة دون أن يكون بحوزتي قلم
كانت أحلام مستغانمي لا تزال في بداية حياتها الأدبية، يوم أجريت معها حوراً لمجلة «هي»، بمناسبة صدور روايتها الأولى «ذاكرة الجسد» التي ستحدث ضجة بعد ذلك. حينها كثيرون لم يكونوا يعرفون لا الأدبية الجزائرية المقيمة في باريس، ولا روايتها. يوم صدور المقابلة، فوجئت بتلفون من المجلة، يسألونني كيف لي أن أجري مقابلة طويلة تمتد على صفحات، عن رواية واحدة لا أذكر عنوانها، وكأنما كل الحديث يدور عن مجهول. صدمت للوهلة الأولى، وحين راجعت أوراقي وتأكدت أن الخطأ ليس من عندي، ذهبت المجلة تبحث عما حصل. تبين أن المصحح، لم يرتح لعنوان الرواية، بسبب مفردة جسد فيها، فأراح نفسه وحذفه بمبادرة شخصية. ولا تزال هذه القصة تُضحك أستاذي العزيز مطر الأحمدي الذي كان رئيساً للتحرير، وتضحك أحلام مستغانمي التي تتذكرها بطرافتها المعهودة.
خوف الشريط الفارغ جعلني لا أجري مقابلة دون أن يكون بحوزتي قلم أسجل به الملاحظات الرئيسة، لكن الأسوأ من الخروج بخفي حنين، هو الذهاب لمقابلة شخص أعطاك موعداً ولا يرغب في الكلام. وتلك كانت المهندسة المعمارية الراحلة زها حديد. وصلت إلى الأوتيل مع زميلة لي، حيث نزلت أثناء زيارتها لبيروت، وبدت السيدة في مزاج عكر للغاية، وقالت مساعدتها إنها متوعكة صحياً. انتظرت بعض الوقت ثم سألت إن كان بمقدورنا أن نبدأ فهزت برأسها، بطريقة لم أفهم معناها. لكنني أخذت المبادرة وساعدتني زميلتي. كان الجواب على السؤال الواحد لا يتعدى الجمل الأربع أو الخمس. لا أذكر مقابلة أغرب ولا أعجب من تلك المقابلة. خرجت وفي حوزتي أجوبة تشبه البرقيات على أسئلة كثيرة جداً، كان لا بد من طرحها للحصول على مادة، من سيدة قررت ألا تقول شيئاً. كان الأرق شديداً، حتى فرّغت ما بحوزتي وتمكنت من تسطير مادة، رأيتها مقبولة للنشر. وللغرابة فإن هذه المقابلة ستصبح بين الأجمل والأثمن التي حصلت عليها في حياتي. رحم الله زها حديد.