عبد العزيز الصقعبي
إلى:..
لا مجال للشك مطلقاً أن الرسالة التي أكتبها الآن لك، تختلف كثيراً عن الرسالة التي طلبتِ مني قراءتها، لكونكِ لا تحسنين القراءة والكتابة، قبل أن أتحدث عنك وعن تلك الرسالة الأولى، الجميع يعرف أنه كُتِبَ كثيراًَ من القصص والروايات وأيضاً عرضت أفلاماً كثيرة تتناول قراءة صبي لرسالة وصلت لرجل أو امرأة أميين، إذا لا جديد في ذلك، ولكن أنا هنا، أمامي تلك الشاشة البيضاء ومفاتيح الحروف، فكرت أن أكتب رسالة لكِ، وقلت لو كنت على قيد الحياة، وقررتُ أن أقرأها عليك، هل سأستعيد تلك اللحظات، هل سأتحول إلى صبي، وأنت امرأة تعيش وحيدة في بيت صغير، تنتظر رسالة تأتيها من أخت لها تعيش في مدينة بعيدة قليلا مع أبنائها، هي ليست أمي وليست قريبة لنا، بل جارة، تقطن بجوارنا في حي شعبي بسيط، بيتها طيني من دور واحد، وزوجها رجل أمن أيضاً بسيط، لديها أبناء وبنات، يقطنون بعيداً عنهما، عذراً، لا أريد أن أتحدث عنكِ كثيراً، ربما تجدين نفسك في رواية قد أكتبها، ولكن أنتِ لستِ امرأة شكلتها من خيال، بل من الواقع، وبيتك الصغير، وبالذات ذلك المجلس الشعبي الصغير القريب من باب المنزل، كنت أجلس في صدره وكنت تجلسين بجانبي، تتلفعين بشرشف الصلاة، الذي تتضوع منه رائحة خلطة مريحة من العطور التي تعبق بها أمهاتها وجداتنا، رائحة مريحة، وأنا الصبي الذي بدأ يفك الخط، يمارس قراءة الحروف التي تتشكل منها الكلمات، يجب أن أتهجى كل كلمة، وأقرأها بعد أن أقرنها بما قبلها وما بعدها لتصبح جملة مفيدة، مفهومة، أعرف أن بداية الرسالة ونهايتها تتشابه مع ما قرأته وسأقرأه من رسائل، ولكن بكل تأكيد المهم ما هو مكتوب بالوسط، أذكر أنني حين وصلت للعمق وبدأت أقرأ ما أراه مكتوباً بالرسالة، رأيت ملامحك تتغير، لم أعرف لماذا، رأيتك تقفين، وتطلبين الرسالة، وتأمريني أن أغادر البيت، قراءتي سليمة، وجميع الكلمات أعرفها، ولكن هل أغضبك محتوى الرسالة، لا أذكر أن فيها كلمات نابية، ولكن ثمة خبر لم أعيه حتى الآن، كنتِ غاضبة، عرفت بعد ذلك أنني لست السبب بغضبك، بل محتوى الرسالة الذي قرأته عليك، لا أذكر تماماً المحتوى، أنت قلت بعد أن كنت برفقه والدتي في زيارة لك، «أعذرني يا ولدي.. أزعجتني الرسالة وطلبت منك عدم إكمالها» كم تمنيت أن أعرف ما المزعج في تلك الرسالة، سألت والدتي، التي طلبت مني عدم تكرار السؤال، لكوني مازلت صغيراً، يا إلهي ألهذه الدرجة تكون الكلمات جارحةوتثير الغضب، أنا كنت أقرأ الرسالة، جميع الكلمات مألوفة لديها، ولا يوجد بها كلمات نابية فما الذي حدث، إنني أكتب لك الآن، ربما تتشكل الكلمات التي قرأتها قبل سنوات طويلة، لأعرف ما الذي أغضبك، ثمة سلام ثم سؤال عن الصحة، ثم حقيقة لا أذكر، ولكن حين بدأت أقرأ تلك الكلمات بعد السلام والسؤال وبعد كلمة بعد، بدأت تتغير ملا محك، ذكرني ذلك ببعض أفلام الرسوم المتحرك عندما يتغير لون الوجه من العادي إلى الداكن في التلفزيون الأبيض والأسود، ثم يصبح الرأس كمدخنة قطار بخاري يخرج منه ذلك الهواء الساخن، عذراً لهذا الوصف، ولكن فعلاً، أصبحت في موقف لا أحسد عليه، تمنيت لو اعتذرت عن قراءة الرسالة، ولا أدري لماذا طلبت مني أنا ذلك الصبي الصغير أن أقرأها لك، وأنت ربما على علم بمضمونها، أو ربما العكس، كنت تأملين شيئاً ففوجئت بشيء عكر مساءك، لتطلبي من ذلك الصبي مغادرة المكان، ربما صرخت بأعلى صوتك، أو بكيت بعد أن غادرت بيتك الشعبي البسيط، ربما فرغت ما بداخلك من كلمات وأدعية تمس من أرسل الخطاب، وصوب نحوك كلماته، ما الذي أغضبكِ، وما الذي حدث بعد ذلك، لقد نسيت كل شيء، بعد حديثي مع والدتي، و لم أتذكر تلك الحادثة إلا بعد سنوات طويلة، عندما وصلتي رسالة من شخص عبر إحدى وسائل التواصل الحديثة أساء لي بكلمات بسيطة، غضبت قليلا، وحذفت الرسالة بعد أن حظرت كل قنوات التواصل معه.