سهام القحطاني
كان ولا يزال الزمان من المسائل الثقافية المٌثيرة للعقل الفلسفي عبر العصور، منذ أرسطو إلى العالم « ستيفن هوكنج» ولعل ارتباطه بفكرتي الحرية والقوة جعله - الزمن- مصدر إلهام للكثير من الفلاسفة أو المفكرين الفلسفيين.
يرتبط الزمان «بحيوية أو حتمية الحركة» وكان أرسطو أول من طرح الزمان كمسألة فلسفية من خلال مقولاته العشر، إذ جاء الزمان في المرتبة الخامسة.
كما ربط بين الحركة والزمان، وهو ما يعني أن الجمود قد لا يساوي زمنا، وقد قيّد أرسطو هذا الربط بين الحركة والزمان «بالمكان والنفس» ولذلك أصبح الزمان مجرد مظهر وليس «جوهراً في ذاته» يكفل حقيقته ليصبح الزمان كما قالت السيدة العجوز للمفكر راسل «صفحة مسطحة مستقرة على ظهر سلحفاة ماردة».
ووفق منطق أرسطو فلا دوام للزمان دون نفس، ويسير ابن سينا على نهج أرسطو بأن الزمان عرضي «وليس مما يقوم بذاته» وبالتالي لا يُمكن أن يكون ذا قيمة بدون شعور أو مكان.
ويعرض ابن سينا قصة «أصحاب الكهف»مثالا على شرط توفر «الشعور» لحركة الزمان، وغياب ذلك الشعورهو انتفاء وجود لأي زمن «فلا وجود إذن بالنسبة للذين ظلوا نياما في الكهف».
لأنه يظن أن الزمان لا يمكن تمثيله إلا من خلال ما يدركه المرء ويؤلف شعوره وهي ذكرياته، فالذاكرة عند ابن سينا هي التي تمثّل الزمان وتصنعه،كما أن «الآن»-الحاضر- هي المصدر الحيّ للزمان عنده وهذا المصدر هو الذي يحقق صفة ما قبله «الماضي» و صفة ما بعده «المستقبل» أو كما يُسميها «المتأخر و المتقدم».
في حين أن» فخر الدين الرازي» يعارض فكر ابن سينا وأرسطو في صفة الزمان سواء كمظهر كما عند أرسطو أو «عرضي وليس مما يقوم بذاته» كما عند ابن سينا ويرى الرازي أن الزمان «موجود قائم بنفسه مستقل بذاته»، كما أنه يقسم توصيفات الزمان وفق اعتبار المنسوب إليه، فنسبة ذاته إلى الموجودات «المبرأة من التغير «إليه تجعله»سرمدا» ونسبة ذاته إلى «ما قبل حصول الحركات و التغيرات» تجعله «دهرا»،و نسبة ذاته إلى «كون المتغيرات متقارنة معه» تجعله «زمنا».-أبو البركات البغدادي و فلسفته الإلهية،د جمال رجب بسيدي-.
كما عارض ابن سينا في ربط الزمان بالحركة «أبو البركات البغدادي» وذهب أن ربط «الزمان بالوجود» أولى من «ربط الزمان بالحركة»؛ على أساس أن الزمان هو مقدار للوجود لا مقدار للحركة وبهذه الرؤية له حوّل الزمان إلى مبحث ميتافيزيقي.
ورغم هذا الربط المهم بين الزمان والوجود؛ كون الوجود يحمل صفة الاستدامة أعمق من الحركة؛ باعتبار السكون حامل للزمان كونه ممثلا لوجود، وحصّر وجود الزمان في الحركة تلغي قيمة الوجود المتضمنة في السكون، إلا أن هذا الربط لم يجد له صدى في الأفكار التي جاءت بعد أبي البركات البغدادي.
فقد ظلت الحركة هي المهيمنة على «حيوية الزمان»،لكن ظل السؤال عن هل السكون يساوي زمناً بلا حركة يتردد صداه في أفكار الفلاسفة والعلماء وهم يناقشون تفاصيل الحركة والزمن كون أنه عالم افتراضي لنشؤ حركة.
وظل الزمان كإشكالية فلسفية ثم علمية مصدرا للكثير من الأبحاث، بل حتى معقولية وجوده كانت مصدر جدل، فهناك من اعتبره «حقيقة في الوجود والتأثير» وهناك من «اعتبره وهما» مثل بعض مفكري الفلسفة المثالية باعتبار أن الزمان بأقسامه الثلاث الماضي والآني والمستقبل لا يُمكن الجمع بينهم، وبذلك فهي أحداث منفصلة لا يُمكن تحويلها إلى مصفوفة ذات تسلسل منطقي، ولذا أنكر مفكرو الفلسفة المثالية الهيجلية حقيقية الزمن وبأن «الزمن غير حقيقي،لأن مفهومه في نظرهم غير مترابط مع نفسه».
في حين أن العلم التجريبي نظر إلى الزمان نظرة مادية بحتة، فهو عبارة عن علاقات وقتية اتُشكل المعطيات الحسية في خبراتنا بمختلف توصيفاتها الوقتية التي تُقاس من خلال «الحسية للحركة لأن الزمان نفسه لا يُدرك إلا من خلال حركة الأشياء»-الزمان في الفلسفة و العلم، د. يمنى الخولي- مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة-».
وترى الدكتورة «يمنى الخولي» أن الطرفين لا يملكان الصواب في هذه الرؤية»إذ لا يوجد أية حقيقة أو وقائع لا تصورية ولا تجريبية يمكنها أن تحدد بصورة مطلقة وفذة القياس الوحيد الصائب للزمن، فقياس الزمن مسألة اصطلاحية اتفاقية بحتة، قد تقوم على عناصر مثالية وتجريبية معاً.»-المصدر السابق، ص29-
أما المفكر «كانط» فينطلق الزمن من قاعدة «الحلول المتعارضة القابلة للبرهنة عليها بدرجات متساوية،أو ثنائية الأشياء في ذاتها «-روجيه بول دروا- باعتبار أن العقل بطبيعته تناقضي وتصفية تلك التناقضات لا يتم إلا من خلال النظرية المعرفية ، وبذلك فالزمن موجود في موضوعيته وغير موجود في واقعيته المطلقة، فالزمن في عالم الظواهر هو موجود من خلال موضوعيته، لكن إذا تجاوز ذلك العالم فقد واقعيته المطلقة.
ورؤية كانط للزمن جعلته يربط بين «الفراغ والزمن» كشرطين أساسيين للمعارف التجريبية..يُشكلان إطارا سابقا لتجليات الظواهر»-فقه الفلسفة،روجيه بول دروا، ت/فاروق الحميد».
وهو ما يعني أن الزمن ليس «شيئا» وليس «خاصية لشيء».
عندما انتقلت مسألة الزمن إلى العلوم ارتبطت بالفضاء فأصبح الزمن مرتبطا بتوصيف الفضاء، «الفضاء الزمني المرتبط بالفراغ» وهو ما يعني أن الزمن يتجرد من المادية التي يشترطها الأرضي متجها نحو المطلق إلى «الخلق الخيالي اللا محدود»-روجيه بول-.
هذا الخلق الخيالي الذي انعكس من خلال روايات مثل آلة الزمن «لهربرت جورج ويلز» وامرأة تسافر عبر الزمان للكاتبة الأمريكية «أودرى نيفينجر»، ثم السينما التي أخرجت الزمن من إطار الإشكالية الفلسفية لتجعله حلما إنسانيا إما بالسفر إلى المستقبل لاكتشاف المجهول أو العودة إلى الماضي لتغير الحاضر،وفي الحالتين لا يزال الجدل قائما ما بين مقدار المستحيل ومقدار الإمكانية.