د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
في عام 1394هـ دخلت غرفة قسم اللغة الإنجليزية لأودع أستاذي في اللغة الإنجليزية (علي الحفناوي) قبل مغادرتي إلى القاهرة مبتعثًا، وحين دخلت لفت نظري في جانب الغرفة الأيمن شاب شديد بياض الثياب، نظرت إليه ونظر إلي بنظرة جاد مستغرق في أمره، لم أسلم عليه ولم يخاطبني، وعرفت بعد زمن أنه الدكتور محمود إسماعيل صالح، وكان يبدأ عمله في ذلك الوقت.
لم أر الدكتور ولكني كنت أسمع عنه، حتى شاء الله أن ألقاه في جامعة الكويت مشتركًا في ندوة عن تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، كان ذلك في عام 1981م، أعجبتني محاضرته وشعرت بفخر أن يكون من أساتذة جامعتي جامعة الملك سعود من هو على هذا المستوى، تعلمت منه في ذلك اليوم أن تعلم اللغة يختلف عن تعلم علوم اللغة، وذكر قولهم بالإنجليزية «teach language don›t talk about it».
عدت من بعثتي وكانت الجامعة نشطة في أمر النشر وكنت ممن يكلفون تصحيح الكتب، وكان من تلك الكتب «النحو العربي المبرمج للتعليم الذاتي» الذي شارك في تأليفه أستاذنا محمود ونشر في عام 1987م.
لم أر أستاذ لغة إنجليزية عشق العربية ووهب نفسه لها كأستاذنا محمود، وحسبك أن تطلع على سيرته الثرية في مدونته لتعجب من كثرة الأعمال وتنوعها: التدريس، والإشراف، والمشاركة في المؤتمرات والندوات والبرامج المرئية والمسموعة، وتأليف الكتب المفردة والمسلسلة، وكتابة البحوث المعمقة والمعجمات. ولست أملك سرد شيء من ذلك؛ فالأعمال مرصودة في مدونته بما لا مزيد عليها. ولكن من أبرز الأعمال وأجلها في نظري ثلاثة أعمال، أولها تأسيس معهد اللغة العربية (للناطقين بغير العربية في عام 1395هـ/1975م)، وهو ربما أول معهد من نوعه في العالم (يضم برامج تعليم لغة وتدريب معلمين وتطوير بحوث). والثاني تأسيس البنك الآلي السعودي للمصطلحات (باسم) بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والإشراف على المشروع من 1404- 1404هـ (1983/1986م)، والثالث إنشاء مركز الترجمة بجامعة الملك سعود عام 1408هـ وإدارته مدة 9 سنوات.
وكان من حسن حظي أن هيأ الله لي مشاركته بعض المؤتمرات والمشاريع واللجان، منها المؤتمر الذي عقدته جامعة الإمارات في مدينة العين في 18-20 إبريل 1992م. وعنوانه «تعليم اللغة العربية في المستوى الجامعي». وقد شاركت ببحث عنوانه «أخطاء الطلاب والاستفادة منها في التعليم الجامعي»، وأما الدكتور محمود فشارك ببحث «الدراسات اللسانية الحديثة ومعلم العربية الجامعي: بعض المقترحات». ومنها ندوة توحيد معايير النقل الكتابي لأسماء الأعلام العربية: الأبعاد الأمنية (18-20/3/1424هـ- 19/5/2003م) الرياض، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، شاركت ببحث «تباين كتابة الأسماء العربية في الحروف والتشكيل: صوره وأسبابه». وشارك الدكتور محمود ببحثين هما «رومنة الأسماء العربية في الكتابات الأكاديمية الغربية» و»مشكلات تخزين الكلمات العربية المكتوبة بالحرفين العربي والروماني في قواعد البيانات».
وأما اللجان فتشرفت بمشاركته عضوية اللجنة الاستشارية للغة العربية في الموسوعة العربية العالمية، التي صدرت في1416هـ الموافقة 1996م. وتشرفت بكوني معه في فريق مشروع (المعجم العربي للطلاب) الذي أنجزته وزارة التعليم ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ونشرت نسخته التجريبية عام 1438هـ/2016م. وكان من حسن حظي أن كنا في عضوية اللجنة الاستشارية في مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية.
واشتركنا في هذه الأثناء في ندوة: اللغة والهوية، في افتتاح الحلقة النقاشية الأولى (آفاق الريادة والتميز) التي نظمها مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي لخدمة اللغة العربية، الرياض 10-12/جمادى الآخرة/1433هـ، الموافق 1-3/مايو/2012م وشاركت بورقة «استعادة الهوية». أما أستاذنا فشارك بورقة «اللغة والهوية».
ثم اجتمعنا في عضوية مجلس الأمناء في مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية، ولما انتهت مدة العضوية كلف أمانة المركز مؤقتًا.
وكان من عادة المركز أن يعقد اجتماع لجنة الأمناء مرة في العاصمة الرياض ومرة في خارجها، وفي كل تلك الاجتماعات يشارك الأعضاء في لقاءات علمية مثمرة فكانت فرصة عظيمة أن أسمع منه وأتعلم.
لأستاذنا مواقف رائعة منها بيان مخاطر كتابة العربية بأحرف لاتينية، ومنها أن سبيل تفادي كثير من الأخطاء التزام تعليم الصغار الكتابة بالشكل حتى ترتبط الكلمات في أذهانهم بحركاتها.
الذي لا يعرف الدكتور محمود عن قرب لا يرى إلا جانبه الجاد الشديد الجدية، ولكن في اللقاءات الاجتماعية ترى منه المرح والنكتة اللطيفة.
عرفته فعرفت فيه العالم الذي زويت له مهارات العربية والإنجليزية باقتدار، وإن مثله لجدير بالتكريم، وفقه الله وحفظ عليه صحته وجزاه خير الجزاء عن العربية وطلابها.