كما في الأطعمة حيث نرى انتشار ما سمي (فاست فود)، ينتشر ومنذ عدة سنوات مفهوم (فاست ريد) الذي يعني رغبة الناس في قراءة المواد المختصرة كي ينتهوا منها بأسرع وقت ممكن، وما أدى إلى ذلك هو واقع الإيقاع السريع الذي اتسمت به الحياة المعاصرة في مختلف جوانبها، لذلك نجد زيادة الإقبال على البرامج والتطبيقات المختصرة والسريعة مثل تويتر وسناب شات على حساب التطبيقات الجادة أو تلك التي تحتاج وقتا أطول، وقد انعكس هذا الميول على الجيل الجديد الذي أصبح لا يهوى الكتب الكبيرة أو حتى المقالات الطويلة، بل قد يكتفي كثير منهم بقراءة بعض التغريدات القصيرة أو ما يكتب في الواتساب رغم توفر آلاف الكتب المجانية بصيغة PDF (مثلا) والتي يمكن تنزيلها بسهولة وقراءتها على الجوال أو اللابتوب أو الآيباد، في المقابل كان الجيل السابق ينفق من قوت يومه من أجل الحصول على كتاب واحد، بل كانوا يقطعون الصحاري والفيافي لأيام أو شهور باستخدام وسائل النقل البدائية للاطلاع على كتاب سمعوا عنه، كل ذلك لإشباع شغفهم للعلم والأدب، ويحدثنا مانغويل (مؤرخ القراءة) عن قصة أمير فارسي بلغ من غرامه بالكتب أنه كان يصطحب معه مكتبته المؤلفة من 117 ألف كتاب على ظهر قافلة من الجمال.
ورغم إصرارنا على ضرورة أن يحذو أبناء هذا الجيل حذو من قبلهم وأن يطالعوا أمهات الكتب ويعتادوا على القراءة المطولة، إلا أن ذلك قد يكون صعبا في الظروف الحالية. ولأنه (إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون)، فإن على الكتاب أن ينحنوا للعاصفة وأن يكتبوا بما يتناسب مع الجيل الجديد، وإلا فما فائدة أن يكتبوا مقالات أو دراسات طويلة لا تُقرأ أبدا، ولا أخال أن كتابة المقالات القصيرة أو الكتب قليلة الصفحات أمرا مستحيلا، حيث يمكن تحويل أي فكرة مهما كانت صعبة ومعقدة إلى مقال (أو مقالات) قصيرة، لكن المشكلة تكمن أن ذلك أصعب من كتابة المقالات الطويلة، ذلك أنه من أجل شرح فكرة ما فإنه من الأسهل تسويد صفحات بكاملها لشرحها من أن نقوم باختصارها في سطور معدودة، وينقل أن نابليون بونابرت كتب رسالة لصديقه في ثماني صفحات ثم ذيّلها بقوله (اعذرني يا صديقي ليس لدي وقت لأختصر)، وكأنه يشير في مقولته هذه إلى أن الاختصار يأخذ وقتا أطول من الإطالة. ولكن ولأن الهدف نبيل فإنه ينبغي أن تهون من أجله الصعاب. ولكي أحاول تطبيق فكرتي في هذا المقال على الأقل أختم مقالي هنا، فإلى لقاء.
** **
- يوسف أحمد الحسن