لو تحدثت المرأة عن عالمها الأنثويّ، لانخلقت مجرة عظمى من ملكاتها وعواطفها، لكنها تطوي في جرم قلبها ذلك العالم الأكبر، تتحدث عن ألمها من وراء سُتُر، كأن تقول «ابني قطعة منّي» فيرونه مجازًا وتراه وصفًا لألم التشقق والقطع، ألم التمزق والتوجع وهو ينفصل عنها جزءًا جزءًا، تتظاهر بأمومة صارمة وهي تسهر قلقًا عند رأس طفلها؛ لأنها لا تسمع نسمه، تقرأ أعين من تحب وتكون لهم ودًا وحنانًا ويعجزون عن قراءة مكامنها، هي كائن تغمر العاطفة جزءًا كبيرًا من طريقة تفكيره، مخلوق مبدع بالفطرة وتلك سمة أنثوية جذابة، ولأن عالَمًا أعوجًا فسّر قوتها الورديّة ضعفًا؛ أغلقت نوافذ قلبها وأخفت قواها، لتنافس قوى الطرف الآخر، فكر جاهليّ كتم شعورها وجعل منها كائنًا يحاول تبرير طبيعته الفاتنة.
بقلب كل امرأة صندوق ثمين، ولا تُستنزف القطع الثمينة في وحل، إذ ستنغمر ولن يمر منها أحد ليراها أو يقدر ثمنها، فهي تحتفظ بها حتى تجد مكانًا رفيعًا يبرز مكنونها ويقدره!
المجتمع الذي يعد المرأة عورة، يرى أن حديثها عن أنوثتها «تعرّيًا»!، فإن تحدثت عن وجع المخاض مثلًا يرونها توجّه كاميرا إلى جسدها... وإن نشرت تلك النصوص يرونها تنشر ذاك الجسد العاري، يجرّمون شفافيتها وتحاول هي أن تتحاشى صغر عقولهم باهتمامها بأشياء أخرى لتبني جيلًا ناضجًا يتفهّم أخيرًا أن الحديث عن الألم ليس له استثناءات والمخاض واحدٌ منه.
تُخيّر إما أن تنتج إنسانًا أو تنتج فكرًا، ولو جُرّدت الأدوار فالرجل يعمل وينفق والمرأة تُنجب وترعى وكلاهما يُربي، الإنجاب أمومة وهي فطرتها.. كما أن الأبوة فطرته، وهما يؤديان دوًرا فطريًا لا يتعارض مع عيش الحياة، فلماذا تُخيّر المرأة بين أن تكون منتجة فكريًا أو منتجة بيولوجيًا؟ ولم تمنع الأبوة أن يقف الرجال على المنابر ويلقون قصائدهم مثلا؟!
لم يكن الفكر الضحل كابوسًا لوحده فهي تصارع جاثوم الاستهانة بمشاعرها ووصفها بالهراء لأنها خارج إطار شعورهم، تهرب من أن توصف بالمبالغة وتشعر أن وريقاتها القريبة لقلبها تتألم كالطفل حين يتنمّر به الآخرون، تحميها حماية إلى حد الغياب الذي دفع الطرف الآخر للتطفّل على شيء لم يجربه، يصف آلامها كمن يصف عملًا فنيًا تراجيديًا من وجهة نظره لا من واقع ألم الفنان؛ لأن الفنان غائب عن المشهد.
أعرف أن الأمر موجع، أن تُقابل النصوص الشفافة بعبارات مثل «تخلي عن هذا إن كنت عاجزة» لكني أقول: تماهي مع نصوصك وذوبي في سطورها، عيشي أنوثتكِ كما هي في عالمك الداخلي، استمطريها قصصًا... تحدثي عن آلامك بشفافية تشبه روحك فالذي لم يعش ألمك لن يقدره، نحن النساء نسمعها، ونرويها عنك، ويومًا ما سيفهمك المحيط، ويعرف حقيقة دورك العظيم الذي يصنع جيلًا عظيمًا... البلورة في كفيك والتعويذة رهن شفتيك فاسحرينا.
** **
- أمل الصالح