الحصيفان لا يتحاربان! ليس في عالم البشر فحسب، بل حتى في عالم الطير والوحوش والكواسر. ولذلك فإن الناقد الحصيف الذي يجمع إلى حصافته علماً اكتسبه بالدراسة أو بالتجربة هو سيّد في ملعبه، لا يحارب مبدعاً ولا يحاربه مبدعاً، فإن غابت عنه الحصافة وتراجع علمه فقد وضع نفسه في موضع الحرب منه وعليه.
والكاتب الحصيف الذي يجمع إلى حصافته موهبة اكتسبها بالطبع وحسّنها بالتطبّع هو سيّد في ملعبه، لا يحارب ناقداً ولا يحاربه ناقد، فإن غابت عنه الحصافة وأسِنت موهبته فقد وضع نفسه في موضع الحرب منه وعليه.
ولعل من أسمى دواعي الحصافة أن يتأدب الإنسان- ناقداً وكاتباً- بآداب الكلمة، فلا تجاوز ولا شخصنة، ولا جزع ولا ولع ولا غضب، فالجزع يطفئ سراج القلب والولع يطفئ سراج العين والغضب يطفئ سراج العقل.
ومن دواعي الحصافة أيضاً أن يشتغل كل واحد من الخلق على شغله الذي وجد فيه ذاته وسكنت إليه نفسه، فلا يمد الناقد (مثلاً) عينيه إلى ما متع الله به الكاتب من موهبة -حتى وإن ناهزته نفسه إلى ذلك- فإنه إن فعل - مع ما يدّخره من المساطير والمكاييل والمقاييس - قد وضع فعله ذلك في موضع الاتهام بالصنعة وبدت سوأته للكاتب فانصرف عن موادعته. ولا يمد الكاتب (مثلاً) عينيه إلى ما متع الله به الناقد من بصر وبصيرة -حتى وإن ناهزته نفسه إلى ذلك- فإنه إن فعل - مع ما قدم يراعه من غثّ ومن سمين - قد وضع فعله ذلك في موضع الاتهام بالميل واتباع الهوى وبدت سوأته للناقد فانصرف عن موادعته.
** **
- محمد بن ربيع الغامدي