ـ منذ تقاعدت وأنا أتدرب على المرونة النفسية (resilience) لتكون لدي معرفة تتماشى مع متغيرات الأحداث، لأن الحياة ليست على وتيرة واحدة، هي قليل من السعادة وقليل من التعاسة، قليل من الراحة وقليل من التعب، قليل من السهل وقليل من الصعب، وأدرك تماماً إن لم أكن مهيأ لهذه المتغيرات سأظل سهل الوقوع عند كل متغير، فلا بد أن أكون مثل الزرع أتحرك مع اتجاه الريح وأعود بكل مرونة، فالمتغيرات تأتي وتذهب بأمر الله والحياة متقلبات وما علينا إلا الصبر من أجل إكمال المسيرة. سألت نفسي ذات يوم عند الغروب: لماذا أنتِ مرنة إلى حد كبير مع المتغيرات؟ أجابتني لأنك من مواليد جيل منتصف السبعينيات إلى منتصف التسعينات الهجري. قلت لنفسي: وماذا يعني ذلك؟ قالت: يعني أنك متقاعد، قلت: أدري أني متقاعد، لكن ما علاقة المرونة بالجيل الذي تتحدثين عنه؟ قالت والبسمة في عينيها تتأمل فنجال قهوتي: يا ولدي أنت من جيل ذهبي حافل بالإنجازات أكبركم عمراً 70 وأصغركم 50، ولد أغلبكم في بيوت من طين وكنتم أكثر الأطفال تميزاً بطفولتكم الممتعة التي لم يحظ بها أطفال الأجيال السابقة والحالية بل والقادمة، تعلمتم في مدارسكم المناهج الأولى، وفي طابوركم الصباحي ترفعون العلم السعودي وتنشدون أنشودة الوطن في كلماتها الله ثم المليك والوطن، جيل تربى على قراءة الجرائد والمجلات والكتب، فيكم المثقف البسيط والمتوسط والعالي في العلوم والمجالات كافة، عاصرتم عدة حروب مثل حرب 67 و73 والحرب الأهلية اللبنانية وحرب العراق وإيران، وغزو وتحرير الكويت، عاصرتم ما يسمى بالجهاد الأفغاني، قاطعت نفسي قائلاً: تذكريني بالحروب وتقولين إنني من جيل ذهبي؟ واستمرت تقول: شاهدتم في التلفزيون مسرحيات محلية اجتماعية جماهيرية مثل قطار الحظ وتحت الكراسي والدراهم مراهم ومع الخيل يا عربان ويا رايح الوادي وحكاية ما جرى والمقاول وغيرها، شاهدتم خليجياً مسرحيات عبدالحسين عبدالرضا مع سعد الفرج، عربياً شاهدتم مسرحيات ومسلسلات دريد لحام، كذلك مسرحيات وأفلام عادل إمام وسمير غانم، لحقتم على المطربات في التلفزيون مثل فيروز ومسرحياتها الغنائية، وسميرة توفيق وغمزات عيونها التي (تربش) كبار السن آنذاك! في التلفزيون شاهدتم مسلسل تحفة ومشقاص قبل طاش ما طاش ومسلسل وضحى وابن عجلان وإبراهيم الراشد -رحمه الله- وهو يقدم المصارعة الحرة، وفي الإذاعة يوميات أم حديجان، قلت: انتهت أسطر المقالفبماذا تختمين كلامك؟ قالت: أتمنى لكم حياة سعيد وعمراً مديداً يا جيل الطين العظيم.
** **
- مشعل الرشيد