د.حسين العنقري
في القضاء الجنائي (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) وكذا (الشك يفسر لصالح المتهم) وهما يتفقان مع القاعدة الفقهية الكبرى (اليقين لا يزول بالشك) ففي تكييف الواقعة على أنها جريمة ثم ثبوت وقوعها من المتهم والمعاقبة عليها، يَتطلب في كل هذه المراحل يقين لا يخالطه شك، ومع ذلك ففي هذه المراحل يقع الخلل في بعض الأحيان، فربما تُكيَّف الواقعة خطأً أو وهماً، فمثلاً يكَيَّف خطأ إجرائي على أنه فساد مالي، أو حيازة لمخدر على أنه شروع في الترويج، أو خطأ القتل أو شبه العمد إلى العمد، فكل ما بُنِيَ على تكييف خاطئ يكون باطلاً، وهذه تعتبر من أدق أعمال المحامي في القضايا الجنائية، وربما يكون الخطأ في ثبوتها -وهي أكثر ما يكون-، والعجيب أن يكون الطريق لهذا الخطأ المتهم نفسه، بنصيحة جاهلة من زملاء السجن بالاعتراف بالذنب والإقرار بالجريمة؛ لسرعة الإجراءات وقفل التحقيقات والانتقال إلى مرحلة المحاكمة والتخلص منها بداعي التعاون مع أعضاء النيابة، وبعد ذلك لا تسل عن العقوبات التي تنتظر المذنب بإقراره الذي لا يُقبَل الرجوع عنه بأي حال؛ بل هو سيد الأدلة، إلا في حد من حدود الله تعالى على وجه خاص.
إن وجود المحامي أو المختص بهذا الشأن مع المتهم في جميع المراحل التي تستلزمها الدعوى الجنائية، فيها ضمانة للعملية القضائية، وحماية للمنتج العدلي، من الجَور أو الحيف، مع تحقق مصلحة المتهم وحصوله على ما يستحق من البراءة -وهي الأصل- أو العقوبة على جريمة ارتكبها ووقع فيها؛ ولذا كان من الأسس في القضاء الجنائي توافر المحامي عن طريق المتهم أو بالمساعدة والمعونة له، ولتبقى بعد ذلك العدالة مستمرة ودائمة.