د. عبدالحق عزوزي

التزم أكثر من 100 مسؤول عالمي منذ أيام بإنهاء إزالة الغابات وانحلال التربة بنهاية العقد الحالي، بدعم من أموال عامة وبخاصة حجمها 19 مليار دولار للاستثمار في حماية الغابات، واستعادة غطائها النباتي علما أن الغابات تمتص نحو 30 في المئة من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بما يحول دون تسببها في زيادة درجة حرارة الأرض.

ولاقى البيان المشترك في محادثات المناخ «كوب 26» في غلاسغو دعما من زعماء دول منها البرازيل وإندونيسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تمثل مجتمعة 85 في المائة من غابات العالم.. وقال رئيس الوزراء البريطاني جونسون «نعيش فرصة لإنهاء تاريخ البشرية الطويل من قهر الطبيعة، ويجب أن نصبح بدلا من ذلك حماة لها»، واصفاً الاتفاق بأنه لم يسبق له مثيل.

وأُطلقت مجموعة من المبادرات الحكومية والخاصة الأخرى للمساعدة في التوصل إلى ذلك الهدف، ومنها تعهدات بمليارات الدولارات لحراس الغابات والزراعة المستدامة من السكان الأصليين.

هذه قرارات جميلة ولكن للأسف لم يعد الخبراء يثقون بتدابير الدول خاصة الصناعية منها.. فالعالم المناخي ليس بخير؛ وما سنتركه لأبنائنا لن يكون مصدر فخر لهم؛ وسيحمل جيلنا مسؤولية كبيرة أمام الله وأمام التاريخ لما يجري وسيجري في المستقبل القريب.. فلا المؤتمرات الدولية ولا القمم ولا المنشورات العليمة ولا أنشطة المجتمع المدني العالمي ولا الصيحات المتكررة التي تقوم بها المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ولا التقارير المتتالية نجحت لحد الساعة في إيقاف التغيرات المناخية التي أضحت كارثية وسريعة أكثر من أي وقت مضى؛ ففي تقرير أممي أخير، يشير الخبراء إلى أن هذه التغييرات ستستمر في منحاها التصاعدي في المستقبل عبر زيادة تواتر العديد من الظواهر الجوية والمناخية القاسية. زد على ذلك أن بعض الظواهر ستبقى غير قابلة للحل إلى ابد الآبدين.

فثاني أكسيد الكاربون يزداد تركيزه وارتفاعه في الغلاف الجوي، نظرا لاستمرار حرق مزيد من الوقود الملوث للبيئة، وتنوع نشاطات الإنسان الصناعية المختلفة خاصة تلك المتعلقة بإنتاج الطاقة الكهربائية من الوقود الأحفوري، أو تلك المتعلقة بالصناعات الثقيلة كالحديد والصلب والإسمنت وغيرها أو من وسائط النقل المختلفة، ويمكن أن يتفاجأ القارئ إذا أكدنا له أن سيارة واحدة تطلق في المتوسط وخلال فترة حياتها نحو مائة طن من هذا الغاز.

ورأينا في قمة دول مجموعة العشرين التي عقدت منذ أيام في روما أنه بدل الخوض في المشاكل الحقيقية التي يعاني منها العالم لإيجاد حلول جذرية لها، تخوض الدول المصنعة في مواضيع ثانوية يمكن أن تتبناها منظمات دولية أخرى.. ثم إن الطامة الكبرى أن هذه المشاكل خاصة المناخية منها هي من صنع تلكم الدول المصنعة. فمجموعة العشرين التي تضم دولا متقدمة مثل الولايات المتحدة وأعضاء الاتحاد الأوروبي وأيضاً اقتصادات ناشئة كبيرة مثل الصين وروسيا والبرازيل والهند، تمثل 80 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية.

ولا يخفى على كل متتبع أن نشاطاتها البشرية هي التي تتسبب في كل هذه المصائب، وهو ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش في إطار تعليقه على آخر تقرير أممي في شأن المناخ يقول «إنه إنذار أحمر للبشرية. أجراس الإنذار تصم الآذان: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا».

للأسف الشديد، الدول الصناعية الأكثر تلويثا مثل أمريكا والصين لا تفكر إلا في مصالحها الصناعية والاقتصادية الآنية، ولا تفكر في مصير أبنائها ولا الأجيال المقبلة وتدعي في مخرجاتها الدولية أنها تقوم بإجراءات لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة في العالم.

ومنذ أيام نشر الديمقراطيون الأمريكيون مذكرة كشفت بأن مجموعات النفط لا تنفق سوى جزء ضئيل من حملات الترويج على تغير المناخ على الرغم من تأكيدها أنها تعتبر ذلك أولوية.. واجتمع البرلمانيون خلال جلسة للكونغرس الأمريكي مع ممثلي مجموعات النفط العملاقة، واتهموهم بالسعي لإخفاء آثار أنشطتهم على المناخ، متسائلين عن مدى جديتهم في الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحترار. في الدول الصناعية الكبرى هناك تداخل للمصالح الاقتصادية والصناعية مع أصحاب القرار السياسي وهو ما يوقف كل السياسات الحكومية المتعلقة بالتصدي للتغير المناخي.. فقط عندما تكون مصالح أرضنا ومصالح البشر الحقيقية هي الأقوى، آنذاك ستضع الدول السياسات المناخية في قلب أمنها القومي وتخطيطها الداخلي.