أ.د.عثمان بن صالح العامر
مر بي في مطلع الأسبوع الماضي خبر احتفال العالم باليوم العالمي للادخار، وواكبه عدد من الدعوات الواردة عبر البريد الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي لحضور محاضرات وندوات ودورات عن ثقافة الادخار والتخطيط المالي، وحتى لا تختلط المفاهيم يجب أولاً أن نفرق بين الاكتناز والادخار، كما أن من الأهمية بمكان ألا يفهم من الدعوة للادخار حرمنا الإنسان نفسه من الانفاق الاستهلاكي الحالي حرصاً منه على التوفير المالي للزمن الآتي الذي لا يعلم متى هي ساعة نهايته.
ما أعرفه جيداً منذ كنت طالباً في مقاعد الجامعة أن أقطاب الاقتصاد الإسلامي خاصة يذكرون أن المال ثلاثة أقسام (ثلث للاستهلاك الحالي، والثلث الآخر للاستثمار الدنيوي والأخروي، والثلث الأخير يدخر لقادم الأيام) ولذا فالمعيار الرئيس في هذا الباب هو (التوازن بين أضلاع المثلث الثالث)، ولا يستلزم من هذا التقسيم التماثل الدائم بشكل كامل بل ربما يطغى جانب على آخر حسب ظروف الإنسان الطارئة التي قد تكور على الادخار، خلاف الدائمة التي من المفترض أن يصرف عليها من الثلث الاستهلاكي.
أعرف أن هناك من سيقول: إن هذا مجرد تنظير لا يمكن أن يقبل التطبيق في حياة الكثير منا ممن ينعتون بأصحاب الطبقة المتوسطة فضلاً عمّن دونهم، وهذا صحيح في ظل حمى الاستهلاك التي تقارفها غالبية الأسر السعودية، وغياب ترتيب الأولويات الانفاقية لدينا، والميل إلى المحاكات والتقليد لبعضنا البعض، والاسراف والبذخ في مناسباتنا الاجتماعية مفاخرة ومباهات، وعلى فكرة هذا لا يعني أنني غيركم فأنا كما أنتم انصاع كثيراً للمنحى الاستهلاكي على حساب الثلثين الآخرين، لكنني أعرف غيري ممن يتمتعون بالقدرة على الضبط الاقتصادي، وحسن التصرف المادي، والإدارة المالية الجيدة، والتخطيط الانفاقي الصحيح، وبهذا استطاعوا تحقيق هذا التوازن الثلاثي المطلوب سنوات من عمرهم طويلة حتى صاروا بيننا علامة فارقة في ادخارهم واستثمارهم ولم ينقصهم شيء من ضروريات الحياة وتحسيناتها. في المقابل هناك من جره الاستهلاك الاشباعي المبالغ فيه إلى تحميل نفسه ما لا يطيق من الديون فصار مهموماً في الليل ذليلاً في النهار، ونوع ثالث منا عاش فقيراً ومات حسيراً، خلف من بعده ثروة طائلة ومالاً وفيراً، تعددت سبل كسبه ومداخله، وتنوعت أشكاله ومدخراته، ولم يذق حلاوته، لم تحقق له ثروته هذه لا سعادة دنيوية ولا نجاة من السؤال عنها يوم الدين، إذ جاء في الحديث الصحيح (لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ.. وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ) فاللهم اغننا بحلالك عن حرامك، ويسر لنا تحقيق التوازن الاقتصادي (الانفاق والادخار والاستثمار الدنيوي والأخروي) وإلى لقاء والسلام.