د. فهد صالح عبدالله السلطان
الكل كان يتابع بإعجاب كبير النمو الاقتصادي الصيني الهائل خلال الـ30 سنة الماضية.
في العام 2004 قُدِّر لي أن التقي بحاكم مقاطعة شينزن الصينية في مكتبه، وأذكر أنه قال في ذات الاجتماع إن نسبة النمو الاقتصادي في الإقليم بلغت 15 % ، وأن مهمته الحالية هي التركيز على كبح جماح ذلك النمو ليستقر عند حدود معقولة.
حالياً الاقتصاد الصيني يواجه تحديات غير مسبوقة لأسباب عديدة ولكن السبب الرئيس يعود لسوق العقار المسؤول عن ثلث النمو الاقتصادي للصين.
تمتلك الصين اليوم أكبر سوق إنشاءات في العالم من حيث المساحة المبنية، وكل عام تزيد هذه المساحة بواقع ملياري متر مربع كمساحة إجمالية للمباني. وهو ما يعادل تقريبًا نصف المساحة التي يبنيها العالم أجمع، وهو ما يزيد عن الحاجة الفعلية للصين بنسبة 20 %.
يذكر أن هناك 65 مليون شقة فارغة في الصين، وقطاع العقار يعاني من ديون تفوق مقدرته التمويلية.
تعتبر شركة العقارات الصينية «إيفرجراند». التي أسست في عام 1996 أكبر شركة عقارات في العالم. بعد فترة وجيزة من طرحها للاكتتاب العام بدأت «إيفرجراند» تقترض من البنوك بأسعار فائدة مرتفعة حتى تجاوز إجمالي ديونها بنهاية العام 2020، 310 مليار دولار.
في أغسطس من العام الماضي أصدر البنك المركزي في الصين بياناً عُرف بـ «الخطوط الحمراء الثلاثة» التي باتت ترسم حدود قطاع الإسكان، والتي سيعاقب من يتجاوز أي منها.
الخط الأول هو ألا تتجاوز التزامات المطور العقاري 70 % من قيمة أصوله، الخط الثاني هو أن يكون صافي ديون الشركة أقل من حقوق الملكية لديها، أما الخط الثالث فهو أن تغطي حيازات الشركة من الكاش قيمة ديونها قصيرة الأجل بنسبة 100 % على الأقل.
في منتصف سبتمبر الجاري، أعلنت «إيفرجراند» أنها تواجه مخاطر التخلّف عن سداد ديونها في موعدها، وسط تراجع مبيعات العقارات، وأن شركتين تابعتين لها فشلتا في تسديد التزامات بقيمة 145 مليون دولار في الموعد المحدد، فانهار سوق أسهمها على الفور بشكل كبير جداً.
وبدأت نذر رياح الخطر القادمة من قطاع العقار تلوح في أفق الاقتصاد الصيني الذي أصبح يعاني من صعوبات جمة ويواجه تحديات خطيرة.
قبل هذا كله وفي العام 2007 - 2008 وفي الطرف الغربي من الكرة الأرضية كادت رياح أزمة الرهون العقارية الأمريكية أن تعصف بالاقتصاد الأمريكي لولا لطف الله ثم سرعة ورصانة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفدرالية والتي كان من أهمها ما يعرف بعمليات الإنقاذ الكبيرة أو الـ Bailout حتى بلغ حجم الإعانة التي رصدتها الحكومة لشركة AI العالمية للتأمين وحدها 85 بليون دولار كأضخم إعانة حكومية لشركة خاصة في التاريخ. كل ذلك كان احتياطاً لسقوط الشركة الذي قد يتسبب في انتشار الأزمة وتمددها أو ما يُعرف بـ systemic effect
في ذات التاريخ وبين طرفي الأزمتين العقاريتين وفي وسط العالم الجغرافي تعرضت مدينة دبي لأزمة اقتصادية ومالية كان قطاع العقار مسؤولاً عن جلها. وهي وإن كانت لا تقارن بسابقتيها من حيث حجم الاقتصاد إلا أنها أوقعت اقتصاد المدينة في العناية المركزة لفترة ليست بالقصيرة.
والحالة تكررت وتتكرر في كثير من الاقتصاديات المعاصرة.
وباختصار فإنه يمكن القول هنا إنه على الرغم من أن قطاع العقار يمثّل واحداً من أهم إن لم يكن أهم ركائز التنمية الاقتصادية إلا أنه قد يكون مقبرة الاقتصاد بسبب بعض السياسات أو الإستراتيجيات المتعلقة به، كما حصل ويحصل في بعض الاقتصاديات العظمى؟
الهدف من هذا السياق ليس الوصول إلى نتيجة أو تفسير لتلك الأحداث بقدر ما هو طرح سؤال يقتضيه واقع الحال وهو: هل هناك من درس مستفاد لنا؟
أعتقد أننا أحوج ما نكون لمراجعة تلك الدروس والإفادة منها بقدر الإمكان وإجراء مراجعة شاملة للتوجهات والسياسات المتعلقة بقطاع العقار المحلي في بلدنا وأثر ذلك على مستقبل الاقتصاد الكلي والجزئي معاً.
لعل وزارة الإسكان بالتعاون مع الوزارات المعنية الأخرى تضع ذلك ضمن أولوياتها.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،