مها محمد الشريف
لبنان لم يكن ينتظر أي أزمة خارجية تضاف لأزماته الداخلية حتى يغرق أكثر في مستنقع السياسة الفاشلة الذي أسقطه فيه حزب الله بتوجيه من إيران؛ خدمة لأجندة الدولة المارقة التي تبث سمومها من طهران، والذي وضع المشهد اللبناني في أزمة سياسية خانقة هم ساسة محسوبون على الطائفة المسيحية، حيث إن ما صرح به وزير الإعلام جورج قرداحي قبل توليه المنصب، وتم بثه بعد تعيينه وقام بتأكيد موقفه من ادعاءات وترويج لأكاذيب وقلب للحقائق في ملف اليمن، واعتباره ميليشيا الحوثي شرعية يمنية وليست فصيلاً انقلابياً، وأنها تدافع عن نفسها معتبراً أن التحالف العربي معتدٍ، علماً بأنه تشكل بقرارات عربية رسمية وبطلب من الحكومة الشرعية لليمن، ووفق ما تنص عليه قواعد العمل السياسي بالأمم المتحدة.
إلا أن قرداحي أراد أن يقدم مهر المنصب لحزب الله، وهو وحزب الله مرشحان لتيار المردة المدعوم من نظام بشار الأسد مدمر سوريا، ولكن الأكثر أهمية بكل هذا الحدث أن إعلامنا الخليجي والسعودي تحديداً القطاع الخاص قدم نماذج للواجهة ووفر لها سبل النجاح لتنقلب علينا عند أول منعطف، فقرداحي عمل في مجموعة إم بي سي، ونال جل شهرته منها، وبعض مواقع التواصل الاجتماعي جعلت الجبان بطلاً، بسبب تصريحات تنم عن عدم نضج والتزام.
وانعكس سلوكه سلباً على الحكومة اللبنانية التي أعربت عن رفضها لكلامه، مؤكدة أنه «لا يعبّر عن موقفها الرسمي إطلاقا، خصوصاً فيما يتعلق بالمسألة اليمنية وعلاقات لبنان مع أشقائه العرب، ولكن بعد الأذى الكبير من مخدرات حزب الله وعملائه وأجندته اتخذت المملكة العربية السعودية قرارات بشأن لبنان بسحب السفير ووقف الواردات، وتلتها البحرين، والكويت والإمارات.
عندما اعتبر جورج قرداحي أن المتمردين الحوثيين في اليمن «يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات السعودية والإمارات»، وصنف العبث الحوثي في اليمن باعتباره «مقاومة»، فإنه كان يستنسخُ المواقف الإيرانية لينشرها، وهذا يفسر انحيازه لمصلحة الدولة الإيرانية، وهو أعطى إشارات مبكرة قبل الصعود للمنصب الوزاري كثمن مدفوع سلفاً، وكانت التصريحات الرخيصة لقرداحي لا تتناسب مع الوضع الحرج في لبنان بشكل خاص.
ومن السهل جداً شطب هذه المليشيات من المشهد العربي بعد إدانتها بتجارة المخدرات وغسيل الأموال سواء قبل أو بعد تصريح قرداحي الذي أتى في وقت أحداث سياسية لبنانية داخلية متقلبة لا تحتمل مزيداً من الحمقى فالتوتر السياسي حرك الشارع وفرض لغة الجماعات المتناحرة بعد الفوضى العارمة التي سادت بعد التحقيقات في قضية تفجير مرفأ بيروت، فمن الصعب غرس حل جديد لأن لبنان تتنازعه العديد من التيارات أضاعت حق المواطن اللبناني وفاقمت من أزماته العميقة والمتداخلة، ومليشيات صادرت سيادته، (تمثلها ميليشيا حزب الله).
فيقول «جوستاف لوبون» لقد عرفت حقيقة روح الطوائف كما عرفت روح الجماعات الأخرى، «حذار من سطوة الجماعات وحذار ثم حذار من سطوة الطوائف فقد تلين الأولى ولكن الثانية لا تلين أبداً». إذن فليس من شكٍ أن الرؤى الإيرانية أصبحت تشكل الأبواب التي تسمح بالدخول إلى السلطة والمناصب في لبنان، على ذلك فإن تصريح قرداحي لا يمكن فصله عن تصريحات شربل وهبة، وزير الخارجية في حكومة حسان دياب، في مايو الماضي، المسيئة للسعودية ولدول مجلس التعاون الخليجي، فالحقيقة التي ينبغي معرفتها أن لبنان انهار بقوالبه ومفاهيمه وسياساته.
ومن هنا اتضح أن هناك من قام بتعطيل التسوية السياسية فقد نشطت إيران كثيراً في إحباط أي حل سياسي أو توافق بين اللبنانيين فلا تسقط الدول أو تنهار إلا من خونة الداخل، والمواقف الخليجية المتناغمة في رفضها لتصريح قرداحي، دليلاً على أن ذلك التصريح لا يمكن تبريره بالقول إنه سبق عملية توزيره، وهذا كله يقود لمعرفة ما يخفيه أو يظهره قرداحي، بل إن المواقف السعودية والإماراتية والكويتية والبحرينية وحتى اليمنية، تعي جيداً غاية هذا التصريح ومن يقف خلفه.