رمضان جريدي العنزي
يحتسون النفاق من أول الكلام لآخر حدود الكلام، ما استقام الحديث لديهم، لكنه عندهم في اعوجاج مخيف، ما فتشوا عن كلام يليق، فيه بريق البهاء، ودندنة طرب شفيف، لكنهم أوغلوا في حديث الرياء، يبحثون عن طرائد هائمة، في دهاليز الظلام، ثمة أناشيد عندهم، لكنها ليست أناشيد الحكمة، ولا أناشيد الغرام، ولا نفحات ندية، لكنها أناشيد الخراب، ضائعون في متاهات الحياة، يبحثون عن بقايا فتات، وهم في رؤوسهم، يدورون عكس العقارب، مثل حشائش الموسم يصيبها جل الجفاف، ما علموا بأن الحقيقة خيمة لا تطوى، ولا أغنية تسمعها حيث تشاء، ولا وردة تشمها حيث ترغب، من أخبرهم بأن اللغو مبارك، وبأن النفاق عذب، وأن بالمداهنة جمال، هم ما عرفوا بأن الرياء لا يستوي والعذوبة، وبأن الحقيقة ناصعة كالبياض، وبأن الجياد الأصيلة لا تصبح خاسرة، وبأن النخلة الثابتة لا تسقط ولا تشيخ، من علمهم كيف يسكبون الزيت على الطريق، وقال لهم لا انزلاق ولا خفوت، وأنبأهم بأنهم منارات للحيارى الضائعين، من سهل لهم الحديث في المجالس، فتح لهم الأبواب، وأشرع لهم النوافذ، من أفتى لهم بذلك، حتى تباروا بالرياء والنفاق والتلون والدجل، وحتى صدقوا أنفسهم بأنهم مرايا للحقيقة وشموس، من قص عليهم الوهم، ورسم لهم تصاوير جميلة، وقال لهم لا ضمور، من طرزهم بالهدايا والنجوم، من صفق لهم، وأجاز لهم الحديث، حتى أثقلوا بالوهم، وانتفخوا بالذات، وما عرفوا بأن فوق رصيفهم رماد، وبأن بيوتهم من قش وسعف، لا ساحاتهم تحيط بها الشمس، ولا أشجارهم كثيفة، وأن نفاقهم مثل دخان يتصاعد، لكنه يتلاشى عند أول قطرة ماء، وأن أمنياتهم خيط رفيع، وأحلامهم قائمة على جرف، لا عندهم قبعة بيضاء ولا عكازة، لا قهوتهم مرة، ولا شايهم به نعناع، وما من عاقل ينصت لهم ولا حكيم.