د.عبدالرحيم محمود جاموس
لقد مضت قدماً حكومة يمين اليمين الصهيوني، بزعامتي نفتالي بينت ولابيد، في تنفيذ خططها الاستيطانية في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي لن يكون آخرها ما أعلنت عنه وأقرته مؤخرًا هذه الحكومة الموغلة في اليمين والتطرف، والذي يتم بموجبه الآن (بناء 3000 مسكن للمستوطنين) في عمق أراضي الضفة الغربية المحتلة، دون أي اكتراث من هذه الحكومة للمناشدات والانتقادات والتحذيرات كافة التي وجهت إليها سواء من السلطة الفلسطينية، أو من الأطراف العربية والدولية، وفي مقدمتها من قبل الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية، ومن قبل وزير الخارجية الأمريكية بلنكين مباشرة عبر اتصال هاتفي شديد اللهجة، كما وصفته المصادر الإسرائيلية، والذي حمل صفة الإنذار لهذه الحكومة، مؤكداً على موقف إدارته التي تعتبر الاستيطان عقبة في طريق السلام، وخاصة منها مشروع حل الدولتين، التي لازالت الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن تعتبره الحل الأنسب للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يبدو أن القوى الدولية الوازنة، وفي مقدمتها الدائمة العضوية في مجلس الأمن وخاصة الولايات المتحدة، تجهلُ أو تتجاهلُ حقيقة الكيان الصهيوني، سواء كانت تحكمه حكومة يسارية أو يمينية، فإن الاستيطان بالنسبة لها يمثلُ ركناً أساسياً دائماً في فكرها، وفي برامجها وفي سياساتها، إن لم تكن كذلك فإنها لن تكون صهيونية، والصهيونية هي الأساس الأيديولوجي والفكراني، للنخب المؤسسة والحاكمة كافة من بعد للكيان الصهيوني، فلا يمكن تصور الصهيونية بدون استيطان أرض الغير، أرض الفلسطينيين واستمرار التوسع فيها، وكما هو جارٍ في استيطان الجولان العربي السوري المحتل.
الحكومات كافة التي تعاقبت على حكم الكيان الصهيوني، سواء كانت يسارية أو يمينية، حكومات حزب العمل والماباي اليساري وحكومات حيروت والليكود اليمينية، قد مارست جميعها سياسات الاستيطان والتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية. عند إقامة الكيان الصهيوني سنة 1948م لم يكن يملك اليهود من الأرض التي سيطرت عليها العصابات الصهيونية أكثر من 6 % من مساحتها، وما عدا ذلك كان ملكية فلسطينية خالصة، مما اضطر الحكومات المتعاقبة على العمل على نزع الملكيات الخاصة للفلسطينيين سواء من المهجرين منهم، أو حتى من المقيمين المواطنين الفلسطينيين الصامدين داخل الكيان الصهيوني، بذرائع شتى، والنتيجة هي بناء المستوطنات اليهودية المختلفة عليها، يضاف إلى ذلك استمرار سياسات التهجير الداخلي للعديد من القرى والمدن الفلسطينية في الجليل والكرمل والمثلث والنقب، والعمل على تهويدها ديموغرافيا ببناء المستوطنات عليها، كما تسعى اليوم لتهويد مدينة القدس منذ احتلالها عام 1967م وتغيير طبيعتها السكانية، وأيضاً تسعى إلى تهويد مدينة الخليل، من خلال نشر المستوطنات فيهما وفيما يجاورهما من أراض تعود ملكيتها الخاصة للفلسطينيين، والسيطرة على الحرم الإبراهيمي في الخليل وعلى المسجد الأقصى في القدس، كل ذلك يأتي في سياق هذه السياسات الاستيطانية الإحلالية التوسعية العنصرية. إن الاستيطان في أرض فلسطين عقيدة صهيونية، فلا توجد صهيونية بدون استيطان وعنصرية، وإخلاء الفلسطينيين من أرضهم وتهجيرهم أيضاً عقيدة وسياسة صهيونية، وممارسة سياسات التفوق والقمع والإجرام في حق الفلسطينيين شعباً وأرضاً أيضاً هي عقيدة صهيونية.. ملزمة للنخب السياسية كافة التي تتولى دفة الحكم في الكيان الصهيوني، وممارستها ومزاولتها بالطرق التي تراها مناسبة، وتحقق غايات وأهداف الحركة الاستعمارية الصهيونية العنصرية التوسعية الإحلالية...!
الصهيونية هي حركة استعمارية إحلالية توسعية عنصرية، هكذا ولدت وهكذا أُنشئت، وعلى هذا الأساس أقامت كيانها على أرض فلسطين، وتمت رعاية مشروعها هذا من قبل القوى الاستعمارية الغربية المعروفة، واستمرت ويستمر كيانها المسمى (دولة إسرائيل) على هذه الأسس العقائدية، مهما حاولت أن تتجمل وتتمظهر ببعض المظاهر (الديمقراطية) والخاصة فقط باليهود فقط من مواطنيها، فهي كيان عنصري بامتياز (كيان ابارتهايد جديد) يكرس هذه الصورة عنه وعن هذا الواقع في نظمه وقوانينه، التي ترعى بناءه المؤسساتي وتركيبته السياسية والقانونية والديموغرافية.
النتيجة أن شعباً مؤلفاً من المستوطنين اليهود الوافدين من شتى بقاع الأرض يفرض سيطرته وتحكمه وقبضته الحديدية على أرض فلسطين وشعبها، سواء في الأراضي المحتلة عام 1948م، أو في الأراضي المحتلة عام 1967م، سواء منها الفلسطينية، أو العربية السورية التي أعلن عن ضمها هي الأخرى لكيانه، ويقيم فيها مستوطناته اليهودية العنصرية كيف يشاء.
هل يحتاج العالم إلى براهين أكثر وضوحاً على الطبيعة العنصرية للحركة الصهيونية وكيانها الاستعماري المسمى (دولة إسرائيل)...؟!
الشواهد على ذلك تقدمها يومياً حكومة بينت لابيد حالياً، كما قدمتها من قبل حكومات إسرائيل المتعاقبة عليها منذ النشأة الأولى لها عام 1948م، ولم تتغير بل تزداد حدة وتحدياً واستعلاء على القانون الدولي، وعلى قرارات الشرعية الدولية، وتؤكد رفضها للمواقف والقرارات الدولية كافة الشاجبة والمنتقدة لسياساتها تجاه الشعب الفلسطيني، وتواصل تحديها لقواعد القانون الدولي، وتواصل ارتكابها لسلسلة المجازر قديماً وحديثاً في حق الشعب الفلسطيني، صاحب الأرض الأصلي وصاحب الوطن الأصلي، الذي يفتقد ويسلب أبسط حقوقه الإنسانية والسياسية والقانونية في وطنه في ظل سيطرة الكيان الصهيوني عليه وعلى أرضه. إن القرارات التي لا تجد طريقها للتنفيذ، والبيانات المنتقدة والشاجبة لأفعال إسرائيل، لن تجدي نفعاً مع هذا الكيان، ولن توقف تغوله على الشعب الفلسطيني وعلى حقوقه الثابتة وغير القابلة للتصرف.
آن للمجتمع الدولي أن يتوقف عن الكيل بمكيالين، آن له تفعيل العقوبات الرادعة والزاجرة في وجه الكيان الصهيوني لمواجهة مواقف وإجراءات الكيان الصهيوني العنصرية والتوسعية، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف في وطنه، بما يحقق العدل والسلم والأمن في منطقتنا العربية وفي العالم.
لذا نقول ونؤكد أن بيانات الشجب والاستنكار والانتقادات الدولية المختلفة وحدها غيرُ كافية لوقف تصرفات وسياسات حكومة الكيان الصهيوني، سواء في شأن الاستيطان أو في شأن غيره من انتهاكات يومية لحقوق الإنسان الفلسطيني تجري أمام سمع وبصر العالم، فإنها غير كافية ولن توقف هذه الممارسات الإسرائيلية العنصرية التي يرتقي توصيفها إلى جرائم حرب موصوفة يعاقب عليها القانون الدولي والداخلي للعديد من الدول التي تحترم حقوق الإنسان.