سليمان بن صالح المطرودي
علوم إدارة الأعمال تتطور لتواكب متطلبات العصر، التي تتسابق فيها المنظمات لتحقيق رؤيتها التي تطمح إليها في وقت محدد، وتعمد لاتباع أساليب إدارية مبتكرة وإبداعية تمضي بها قُدمًا للوصول إلى النجاح، وفق أساليب محكمة، ومعادلة صعبة تهتم بالجانب البشري والإداري والمالي، ووضع مصلحة المنظمة فوق كل اعتبار.
لكل منظمة نظام إداري مؤسسي محكم، ولوائح تنفيذية، وأدلة إجرائية وإرشادية، ومعايير محددة للجودة، تمكنها من الاضطلاع بمسؤولياتها والقيام بواجباتها وتحقيق أهدافها.
أما الإدارة بالمراعاة والمجاملة فهي أحد الأساليب العشوائية التي يلجأ إليها وينتهجها المدير ضعيف الشخصية، والمتهاون، الذي وصل للإدارة -غالبًا- دون خبرة وكفاءة تمكنه من القيام بمسؤولياته وواجباته، وتحقيق أهداف الإدارة ومصالح المنظمة وفق أحد الأساليب الإدارية الناجحة، وتطبيق معايير الجودة التي تنقله لشاطئ الأمان.
ليلجأ إلى مراعاة المسؤولين الأعلى منه في المنظمة، ومجاملة من هم في مستواه إداريًا، ومن هم تحت إدارته، لتحقيق مصلح شخصية، والثبات على كرسي الإدارة لتحقيق مكاسب من خلاله.
ومن أمثلة ذلك: عند اتخاذ أي قرار أو إجراء إداري يعمد إلى مراعاة المسؤول الأعلى أو يجامل المسؤول الموازي، وهل سوف يقبل بهذا القرار أو الإجراء؟ أم سوف يرفضه؟ أو يكون منه ردة فعل واتخاذ إجراء لا يحقق مصلحة خاصة به مستقبلاً؟ أو أن ذلك سوف يؤثر سلبًا على تحقيق أمر خاص به يتطلب موافقة ذلك المسؤول؟ بغض النظر عن اتخاذ الإجراء وفق الأنظمة واللوائح المنظمة لذلك، وتحقيق المصلحة العامة للمنظمة.
ومن صور ذلك أيضًا: تعيين أفراد تربطهم صلة قرابة أو صداقة أو مصلحة مع أحد المسؤولين في مناصب لا يملكون مؤهلات لشغلها، أو ترقية موظف على حساب غيره ممن يستحق الترقية من سنوات الخدمة والخبرة والمهارة والكفاءة والإنجاز والتميز والإبداع، أو إعطاء دورات تدريبية معينة لغير مستحقيها، على حساب من هم بحاجة لتلك الدورات، أو تقييم من تربطه صلة بالمسؤول وتفضيله على غيره وهو لا يستحق ذلك التقييم، وغير ذلك من صور مراعاة ومجاملة المسؤولين في اتخاذ قرارات تتم مراعاتهم ومجاملتهم فيها، دون الاكتراث بالأنظمة واللوائح والمؤهلات وحاجة مصلحة المنظمة، وتفعيل وتنفيذ خططها وبرامجها التي وضعت لتحقيق رؤيتها ورسالتها وأهدافها.
ولا شك أن مثل هذا الأسلوب، وتلك الممارسات الناتجة عن المراعاة والمجاملة، تؤدي إلى اتساع الفجوة بين الموظفين، وبين الموظفين والمسؤولين، وبروز المشاكل الإدارية والشخصية، وانعكاس ذلك سلبًا على الإنجاز والأداء والولاء للمنظمة، وبالتالي تسرب ذوي الخبرة والمواهب والكفاءات والقدرات والمهارات من المنظمة، وتراجع إنتاجية المنظمة إلى نسب متدنية، وفقًا لممارسات المسؤول التي قد تصل نسبة المراعاة والمجاملة منه إلى 80 % من إجمالي إنتاجيته وقراراته السليمة التي قد لا تتجاوز 20 %.
للإدارة بالمراعاة والمجاملة مخاطر عالية جدًا على المنظمة وانحدار مستواها ومستوى منسوبيها، وسوف ينعكس ذلك الانحدار على المجتمع الذي يتطلع إلى نجاح المنظمة ليتحقق من خلالها القضاء على البطالة وارتفاع الناتج المحلي ونمو الاقتصاد، ليحل محله الفساد الإداري والمالي في المنظمة، والأخلاقي بين منسوبيها، من تمرير معاملات مشبوهة وغير نظامية، واتخاذ قرارات وإجراءات مجحفة بحق المنظمة ومنسوبيها، وهذا سوف ينعكس سلبًا على سمعة المنظمة ومنسوبيها.
نعم المراعاة والمجاملة مقبولة، وربما مطلوبة في بعض الأحيان، ومن باب المرونة الإدارية، بشرط ألا تكون على حساب الأنظمة واللوائح والتعليمات، وأفراد المنظمة، دون ضعف أو تهاون، ووضع مصلحة المنظمة والعمل فوق كل اعتبار.
والمسؤول الذي يعمد إلى الإدارة بالمراعاة والمجاملة والعشوائية مسؤول أسقط نفسه بنفسه، وجعل من أسلوب إدارته أسلوب فساد ينخر في كيان المنظمة الإداري والمالي والبشري.
المسؤول الناجح هو من يستطيع تحقيق المعادلة الصعبة بالاهتمام بالكادر البشري وتطبيق الأنظمة واللوائح والتعليمات، بالحزم واللين في آن واحد لضمان سير العمل وتحقيق مصالح المنظمة العليا، وغالبًا من يستطيع ذلك هم القادة لا المديرون، فهم القادرون على الموازنة بين الجوانب الإنسانية، والجوانب الإدارية، والجوانب المالية، ليقودوا مركب الإدارة إلى قمة النجاح برضا وتعاون فريق العمل معهم.