د. محمد عبدالله الخازم
«صناعة العراقيل لا تحتاج ذكاء ولا مهارة. المهارة الحقيقية هي ابتكار الحلول التي تشعر كل طرف بأنه فاز بشيء ما» هذه تغريدة قرأتها فكانت المفتاح لهذا المقال. العراقيل الإدارية ليست ملموسة دائماً، فهي تصنع تحت مظلة البيروقراطية ولها دوافعها وحيثياتها المتنوّعة، والتي منها:
أولاً: الجهل بالأنظمة وما يتوافر فيها من مرونة ومقاصد تهدف إلى خدمة المستفيد. صانع العراقيل يفسر الأنظمة وفق مزاجيته التي تجنح إلى الخوف أو إلى التردد أو النظر للعواقب السلبية المفترضة، وغالباً ما تكون مفترضه في مخيلته أكثر منها في الواقع. على سبيل المثال، قد يتخيّل أنه حين يسهم في إنهاء معاملة لمستفيد فإنه يرضخ لطلبه، لذا يعطل الأمر خشية المساس (ببرستيجه) أو لتوقعات غير دقيقة.
ثانياً: الرغبة في الانتقام. هناك إداريون قد تغضبهم كلمة أو رأي ذكره موظف أو مستفيد، فيحملون الحقد عليه مدى الدهر وفي كل موقف إداري هو بحاجة إليهم. يمكن تشبيههم بالجمل، حيث يُقال فلان أحقد من الجمل، كناية عن حمله للحقد سنوات بانتظار الفرصة لينتقم. هكذا بعض الإداريين والقادة يكتمون غيظهم وحين تحتاج إلى توقيعهم أو دعمهم أو إنهائهم لمعاملة لك، تبرز شخصية الجمل الراغب في الانتقام داخلهم. يحكي أن هناك جملاً حمل الحقد 15 عاماً، ولم تتوقف محاولاته الانتقامية!
ثالثاً: الغيرة والحسد. الكل يريد أن ينفي عن نفسه هذه الصفات، لكنها أمر واقع في النفس البشرية ما لم يكن لدى الإنسان قدرة على فهمها والتخلّص منها. تجد بعضهم يعطّل معاملة لمستفيد، لمجرد أنه يستكثر عليه الفائدة التي سيجنيها ويحسده عليها، حتى وهو لن يدفع مقابلها من جيبه ولن تنتقص من راتبه أو مميزاته الشخصية، وهذا هو الحسد. كما تجد بعضهم يغار من نجاح آخر في مكان أو مهمة ما، حتى ولو لم يكن منافساً له، هكذا لمجرد الغيرة من نجاحه أو حصوله على فائدة ما.
رابعاً: الاعتقاد بأن المشقة هي أصل الأشياء. وغالباً ما يجنح لهذا السلوك من مروا بمعاناة أو مشقة في مسيرتهم الاجتماعية والمهنية ويرون أن خلق المشقة للآخرين جزء من عملهم. حجتهم جاهزة ومفادها، نحن عانينا وتعبنا فعليك الصبر والانتظار وعليك تحمّل العراقيل أسوة بما جرى لنا في مسيرتنا.
يأتي بعد ذلك سؤال: لماذا لا تحتاج العراقيل إلى مهارة؟
ببساطة، لأن متطلبات العرقلة سهلة لدى البيروقراطي؛ مجرد وضع المعاملة في الدرج، مجرد تأخير توقيعها، مجرد طلب أمور إضافية بمبرر أو دون مبرر، مجرد إحالتها إلى جهات بيروقراطية أخرى دون مبرر واضح، مجرد الرفض ... إلخ. كما ترون، هي أدوات لا تتطلب مهارة ولا ذكاء ولا ابتكار للحلول الداعمة والإيجابية. كل ما تتطلبه استخدام السلطة التي يملكها البعض والاستسلام لمحفزات الإيذاء، أياً كان نوعها.
طبعاً، لسنا نعمم على الجميع ولسنا نهتم للنصف الفارغ من الكأس فقط، لكنها مهمة الناقد تعرية السلوكيات السلبية لغرض التدبر والتعلّم منها. وأختم برسالة للمدراء والقادة للكاتبة د. نادية الشهراني «سمعتك ستعيش أطول منك، لتكن المعايير الأخلاقية والمهنية هي العلامة المميزة لعملك وتعاملاتك».