د.عبدالرحيم محمود جاموس
أسوأ ما قرأت لكتاب فلسطينيين خلال شهر أكتوبر الجاري، مقالة الكاتب حسن اسميك عن تصوره لحل بل لتصفية القضية الفلسطينية، ومقالة الكاتب مالك العثامنة في الرد عليه.. التي جاءت أسوأ مما جادت به قريحة حسن اسميك..
فجانبهما الاثنان الصواب ووقعا في المحظور وفي أفدح وأسوأ الأخطاء والأخطار في العرض والطرح والاستخلاص والتخريج.
وكأنهما يقدمان وصفتهما المثالية للكيان الصهيوني في كيفية الخروج من مأزقه، الذي تحدثه له الوطنية الفلسطينية ومشروعها للتحرر الوطني، والحرية والمساواة، وكيفية التخلص من حالة الصمود الأسطوري الطويل المدى للشعب الفلسطيني، وما نتج وينتج عنها من تعميق للأزمة الوجودية، التي يعاني منها الكيان الصهيوني ويحدثها ويعمقها تنامي وتزايد فعالية العامل الديمغرافي الفلسطيني، الذي بات يهدد طبيعة الكيان الصهيوني العنصري التوسعي، ويكشف حقيقته الصارخة، ككيان عنصري احلالي توسعي مرفوض شكلا وموضوعا، إنه (نظام ابارتهايد جديد) لا يمكن له أن يكتمل أو يستمر وينجح، بوجود وتنامي التيار الوطني الديمقراطي الفلسطيني المقاوم له، الذي يسعى إلى تحقيق الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، في مقدمتها حق العودة، وكنس الاستيطان، وإنهاء الاحتلال، وممارسة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الديمقراطية وعاصمتها القدس.
إن الكيان الصهيوني هو مجرد مشروع ومحاولة لبناء لكيان استعماري استيطاني عنصري جديد، لكنه محكوم بالفشل، لأن فلسطين ليست جزيرة عزلاء منسية في أعالي البحار أو خالية من السكان الأصليين، وقد فشل كيان الاستيطان في القضاء على الشعب الفلسطيني، تهجيرا أو استيعابا، الشعب الفلسطيني الذي بلغ قرابة أربعة عشر مليون نسمة، كما عجز كيان الاستيطان عن تفريغ فلسطين من شعبها، حيث يعيش الآن أكثر من سبعة ملايين فلسطيني مسلم ومسيحي داخل حدود فلسطين الطبيعية، وعجز وسيعجز الكيان الصهيوني عن دمجهم في كيانه العنصري الجديد، كما حدث في الكيانات الاستيطانية التي أنشئت في أماكن أخرى، وتوصف بالناجحة مثل (كندا وأمريكا واستراليا ونيوزيلانده...) التي تقيم الآن كيانات ديمقراطية على انقاض المجتمعات الأصلية لتلك البلاد، بعد أن أبادت معظم السكان الأصليين من تلك الشعوب، واستوعبت من تبقى منهم على قيد الحياة في كياناتها التي توصف بالديمقراطية اليوم...!
الفلسطينيون سواء منهم الصامدون في وطنهم، أو الصامدون في المنافي، وفي مخيمات الشتات، ينتظرون عودتهم إلى مدنهم وقراهم وأراضيهم التي هجروا منها بفعل القوة والبطش والعدوان، إنهم ليسوا كماً بشرياً فائضاً يبحثون عن حل لاستيعابهم هنا أو هناك، انما هم شعب واحد وموحد في احساسهم وشعورهم وانتمائهم لوطنهم ولقضيتهم، رغم تعدد أماكن تواجدهم وتعدد مشاربهم السياسية، هذا ما يبدو أن السيد حسن اسميك، ومن بعده السيد مالك العثامنة، رغم تناقضهم إلا أنهما اخفقا في تلمس وفي فهم حقيقة القضية وحقيقة الصراع الدائر وجدليته، وحقيقة الشعب الفلسطيني غير القابلة للذوبان والنسيان، وحقيقة كيان الاستيطان العنصري غير المكتمل والفاشل والعاجز عن النجاح، ما قادهم إلى رؤاهم واستخلاصاتهم التي يرفضها كل العقلاء من فلسطينيين وغيرهم حتى من بعض الطوائف اليهودية والعناصر التقدمية من اليهود أنفسهم، لعدم مصداقيتها وافتقادها لكل صواب، فسواء أدرك الكاتبان المحترمان، أم لم يدركا، حجم الانحراف الذي وقعا فيه ووصلا إليه، فلا تتعدى أفكارهما الواردة في مقالتيهما المثيرتان للحزن والشفقة والجدل، عن وصفة خاطئة، يقدمانها تطوعا رخيصا للكيان الصهيوني في كيفية التخلص من عبء الشعب الفلسطيني وقضيته، وطرحها خارج فلسطين، وتحميل مسؤوليتها للعرب ولدولهم، وخاصة للأردن الشقيق والحبيب...!
إن عبء القضية الفلسطينية، وعبء حلها يتحمله الكيان الصهيوني بمفرده ويقع على عاتقه، وتقع عليه المسؤولية كاملة، وذلك بالإقرار من قبله بكافة الحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة، تاريخيا وجغرافيا وقانونيا وسياسيا، وغير القابلة للتصرف، والتي تؤيدها قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وهذا محل إجماع الشعب الفلسطيني بكل فصائله وقواه وفئاته المختلفة.
أرجو أن يتمكن الكاتبان المحترمان من أن يراجعا ما ورد في مقالتيهما المثيرتان للسخرية والحزن والجدل في آن.