علي الخزيم
شهدت السنوات القليلة الماضية وبحسب إحصاءات رسمية انخفاضاً بمعدلات الزواج بالمملكة بالتزامن مع ارتفاع حالات الطلاق، وهي -كما يرى المتخصصون- تعود لأسباب لا علاقة لها بالأوضاع العامة التي مَرَّت بها المملكة كغيرها من الدول من حيث المُجريات الاقتصادية؛ وان كان لها ثَمَّت أثر فهو مما لا يذكر ويمر بكل حين وتحت كل ظرف، فلا يُعَدّ من الأسس التي تُبني عليها هذه التقديرات والإحصاءات، ويلفت النظر ما ورد بالكتاب الإحصائي الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة للعام المنصرم إذ يشير إلى أن حالات الطلاق تُكلف الاقتصاد الوطني بالعام الواحد ما يربو على 3.5 مليار ريال إذا ما كانت تكلفة الزيجة الواحدة 60 ألف ريال، غير أن الكتاب يرفع التكلفة إلى الضعف بغالب الأحوال؛ وهو ما يعني أن التكلفة السنوية الناجمة عن حالات الطلاق تصل إلى 7 مليارات ريال، علاوة على التَّبِعات الناجمة عن الظاهرة من تفكك للأسرة وتشتيت الأبناء ونمو سلوك وسلبيات لا يقبلها المجتمع بل يحاربها.
وتشير الدراسات إلى أن نسبة الطلاق تقل كلما زاد عمر الزوجين المصحوب بالتراكم المَعرفي والخبرات الفردية المكتسبة من التَّعلم وتجارب المجتمع المحيط، وهو مؤشر جيد يفترض أن يُدركه المتزوجون فيضعون بالحسبان أن كل نقاط الخلاف يمكن التريث بالحكم بشأنها واخضاعها لمزيد من التَّروِّي والتفكير، حتى إذا ما أخذ كل طرف وقته بالتأمل بالمشكل الطارئ تراجع عن جزء مما اعتقد أنه مصيب بشأنه؛ أو قد يتنازل عن جزء آخر هو له، وهكذا يتصرف العقلاء وذوي النُّهَى، فليس من الشجاعة والقوة الإصرار الصارم على تنفيذ رأي تراه لصالحك، أو المبالغة بتلقين الطرف الآخر دروساً لا تثمر سوى مزيد من الشقاق والخلافات المُعكِّرة لأجواء الأسرة الصغيرة التي كانت بالأمس تتبادل الابتسامات ومقدمات الألفة ومراسم المحبة، وليس من المروءة للرجل أن يُهين أو يُذل امرأة قابلته بالاستجابة حين خطبها وشاركته سفرته ووطاءه (فِراشَه)، حتى وإن بدى منها ما يُكدِّره أو يُنغص جانباً من عيشته، فالمأثور من شيم العرب وما أقرَّه الإسلام الحنيف أنه حين تستعصي الحلول فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان؛ ففي كلتا الحالتين لا تعنيف ولا قهر ولا تقتير، ولا إيذاء فيما يتعلق بالأبناء، فلكل حقوقه وعليه واجباته المشروعة، وإن كان بالنساء من تكدِّر صفو عش الزوجية ففي الرجال من هم كذلك وقصص الواقع المُعاش تُسجل ما يثير الأسى، فكفَّة الميزان تتأرجح بين هذا وتلك.
إن كان على الأزواج التَّحلي بالحكمة والاتزان بالقرار، فعلى الزوجات كذلك إدراك مسائل قد تبدو لهن بسيطة يمكن للأزواج تحقيقها وتوفيرها، غير أن الزوج لا سيما حديث الزواج محدود الدخل قد لا يمكنه تحقيق كل مطالبها ومظاهر الزينة والفسحة التي ترجوها وتفكر بها بين حين وآخر كلما شاهدت الأخريات يرتدين ما غلى ثمنه، أو ينشرن صور فُسُحاتهن بأماكن عالية التكلفة على الملأ؛ فتطلب المِثل دون وعي، وكان يجب أن تُعين زوجها على التَّبسُّط بل والادخار للمستقبل فهو الأهم من المظهر!