فضل بن سعد البوعينين
برع الغرب في صناعة القيادات والمؤثرين وفق رؤية إستراتيجية تخدم مصالحهم القومية، وتجعلهم أكثر قدرة على التحكم بمخرجات الصناعة البشرية بعد تأهيلها وتمكينها وتحولها إلى أداة فاعلة في القطاع الذي تنتمي إليه، فالقدرة على التحكم في تلك المخرجات البشرية بعد تمكينها، وضمان ولائها التام، أكثر أهمية من صناعتهم لبتداءً.
قد يكون ذلك أكثر وضوحًا في الأجهزة الاستخباراتية التي تحرص على الولاء التام للجهاز قبل كل شيء، بل إن صناعة العملاء قد تبدأ من سن الطفولة في بعض الأحيان، خاصة إذا ما ارتبطت بمشروع قومي إستراتيجي طويل يمكن أن يلعب فيه العميل دورًا قياديًا في منظومة دولية، أو ربما حكومة أو هيئة عالمية وغيرها من الجهات الداخلية والخارجية.
لا مكان للمفاجآت في صناعة القيادات والمؤثرين الكفؤة التي تعتمد على رؤية واضحة ومتطلبات محددة، وإن حدثت فستكون تبعاتها مدمرة لصانعيهم أو الأجهزة التي يعملون فيها، أو أوطانهم. غرس العقيدة الوطنية والأمنية والولاء والانتماء في نفوس المستهدفين، أكثر موثوقية واستدامة من المؤثرات الأخرى، ومنها المالية، أو الثقة، أو الولاء المصطنع. كما أن تفعيل البعد الاستخباراتي التحوطي في التعامل مع القيادات والمؤثرين أمر لا مفر منه لاستدامة الولاء.
لذا فصناعة القيادات والمؤثرين، خاصة في القطاع السياسي والعسكري والإعلامي والاقتصادي، تحتاج إلى منهجية بعيدة المدى لضمان تحقيق متطلبات الأمن، والإيمان بالعقيدة الوطنية ابتداءً، ثم ضمان استدامة الولاء وفق أدواته المختلفة، وفي مقدمها الأدوات الاستخباراتية المنضبطة.
وفي الإعلام، الذي بات البعض يتهاون في التعامل مع متطلباته، تكون صناعة الإعلاميين والمؤثرين فيه أكثر خطورة، ما يجعله مسرحًا للاستخبارات لا الإعلاميين العاملين فيه، الذين يعتقدون أنهم المتحكمون بوسائله ومحتواه، في الوقت الذي يتم التحكم بهم من أجهزة استخباراتية متخصصة.
الإعلام ركن رئيس من أركان الأجهزة الاستخباراتية والدول، بل ربما فاق تأثيره تأثير الجيوش، ما جعله أداة مهمة في أيدي الساسة والأجهزة الاستخباراتية التي أؤمن بأنها المحرك الرئيس للإعلام العالمي، ويمكن مشاهدة ذلك بوضوح خلال سباق الرئاسة الأميركية، وتعامل القنوات العالمية مع الدول والمنظمات الحقوقية وفق الأجندات السياسية لا الحرية الإعلامية المزعومة.
في العام 2008 طلبت كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية آن ذاك، توفير ما يقرب من 1.52 مليار دولار، وبررت طلبها بدعم الجهود الدبلوماسية بمبلغ 855 مليون دولار، وتوفير ميزانية للإعلام وشبكات التواصل الموجهة استخباراتيًا بمبلغ 667 مليار دولار تحقيقًا للأمن القومي!. يُعتقد أن تلك الميزانية كانت النواة لمشروع الفوضى الخلاقة، والتي تلتها ميزانيات ضخمة وبث إعلامي موجه وإدارة احترافية لوسائل التواصل الاجتماعي، وخلق مؤثرين وتجنيد إعلاميين لخدمة المشروع الأميركي القذر أو ما عُرف ظلمًا بـ(الربيع العربي).
الحقيقة الثابتة، أن الإعلام أعظم وأخطر من أن تترك إدارته للإعلاميين وحدهم، بل يجب أن تكون له المرجعية الاستخباراتية العليا الضامنة لمخرجاته، وسلامة منظومته والعاملين فيه، وبما يحقق الأمن القومي. أزعم أن جميع القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية تعتمد سياسة إعلامية موجهة، وإدارة استخباراتية عليا، وإن ارتبط بعضها بوزارات الخارجية. كفاءة الإعلاميين تنتهي بانتهاء المحتوى الإعلامي والإدارة التشغيلية، أما الكفاءة القيادية فيفترض أن تكون مرتبطة بالقيادات العليا التي تسخر المنظومة الإعلامية لتحقيق أهدافها الوطنية، وأمنها القومي وفق رؤية إعلامية استخباراتية حصيفة.