اتخذت الأديبة شمسة العنزي من الكتابة ملاذاً تستريح فيه الروح، وقدمت للأدب العربي مجموعة متعددة من القصص والروايات التي وجدت صدىً واسعاً في الخليج العربي وخاصة دولة الكويت.
وقد صدر لها مؤخراً قصص نثرية بعنوان «للحزن مساحات مقدسة» بحجم متوسط عن دار الرائدية للنشر والتوزيع، وجاء الكتاب في 71 صفحة قدمت خلالها أكثر من ثلاثين نصاً نثرياً، حركت من خلالها مشاعر القراء لتمنحهم مساحات رأت أنها مقدسة رغم امتلائها بالحزن، إلا أن جودة النص وجمال العبارات تأخذ القارئ في مساحات أوسع من الخيال الذي فرضه إبداع الكاتبة في نصوص نثرية من يبدأ بقراءتها لا يتوقف حتى يصل إلى خاتمتها.
في مدخلها للكتاب تقول:
للحزنِ مساحاتٌ مقدسة ٌ
ونظمٌ لا تقبل الفوضى
يحق للروح فقط أن تُطلق صرختها في مداها
ويحق للقلب النزف على ثراها
ويحق للعين البكاء..
إلا أنها ومع قُدسية مساحات حزنها، ونزف قلبها وبكائها، تبتسم لأنها ترى الغيث في أول قطرة، لأنها تحدثه عن قلبها وعن جمال الحياة وروعتها، متأملة بأنه سيستعيد نبضه من جديد، فهو يبقى صامداً كالصخر بارداً كالصقيع!
أما المسافات فهي تراها بعيدة تطول وتطول، بعد أن أضاعت خريطة الطريق التي وإن وجدتها ستبقى مبهمة وذات طلاسم تفوق طاقة احتمالها، لهذا فقدت روحها وحملت حقيبة سفرها بعد أن صارت جثة لا تعنيها الجهات، إلا أنها ومع ذلك لا تلتفت للوراء..
وإن أبدعت الكاتبة شمسة العنزي في المدخل إلى كتابها من خلال الغيث والمسافات، إلا أنهما كانا نداءً مُعلنا لتحدٍ قادم لمن يركب معها في سفينة نثرها الشعري ليأخذ مساحةٍ واسعة ومقدسة للاستمتاع بنصوصها الشعرية، فتبدأ في رفع أشرعة سفينتها نحو مصيدة الأوهام لتُعلن للجميع تمردها في عُباب البحر وأنها ليست هو، ولا تريد أن تكون متعته ولا هواياته أو مغامراته، ولا حتى مُعجزته؛ إنها فقط تريد منه أن يُحلق في مساره ويلتزم الصمت والصبر لعله يعرفها ويعرف من هو!
ثم تتحدث عن بقاياها وتعلن جلوسها فوق قبرها تنتظر لحظة عبورها، وفي رياض الحب تطلب منه أن يتأملها بلطف نظراته ويدعها تُكمل الحلم معه.
وفي كل قصيدةٍ من قصائدها ترسم الشاعرة لوحة جديدة تلونها بعمق المعاناة فهي تذهب إلى بقايا الشوك وجدار الصمت وطلب السلام وثقوب الروح وطلب الاستماع لها، حيث تقول:
اسمعني كما سمعتك طول عمري..
توقف
شئت أم أبيت.. ستنتهي
فقلبي تاق لنبضٍ بلا أوجاع..
فك قيد رتابتك السرمدي
وتلاشى..
دعني أسدل ستار لوحةٍ لم تكن لي!
دعني أوقد النور
وبين يديّ ألواني التي أحبها..
وهذا الفضاء واسعٌ
لن يختنق وجودٌ من وجودي
لهم حياةٌ ولي حياة.
لكنها ما تلبث أن تعود بمشاعرها من جديد لتعلن هاجس كبريائها وتوقد جمرة شوقها، وتكشف ضوئها لتعزف الناي على أجنحة الأمنيات وتتساءل لماذا؟
هل عليّ مكابدة الشوك
حتى أصل لرقة الورد وأريجه!
وأجترع السقم
حتى أستلذ بمعنى الراحة!
هل عليّ الوصول لأرذل العمر
حتى أعرف قيمته!
وأتذوق علقم الجهل
حتى أسعى لإزالته... وتستمر تتنهد في تساؤلاتها إلى أن تصل حد النهاية فتسأل من البداية:
لماذا عليّ الموت ألف مرةٍ
لأنعم بالحياة مرة!
وفي المنتصف الأخير من قصائدها تضمّد الشاعرة جراحها وتعلن كبريائها بعدم اللقاء، وأنها تريد السفر إلى مدن الأحلام لتتوسد صُرة ذكرياتها وتغفو على سفح غيمةٍ بيضاء لتُسابق الزمن بلا ماضٍ أو ذكريات!
وفي سطرها الأخير تُعلن الأديبة شمسة العنزي في كتابها الأخير أنها تهرب من سماءٍ إلى أخرى دون جدوى، بعد أن انصهرت كل القيم، فتقول:
ها أنا أرصف بيني وبينك طريقاً لعلي يوماً احتويني..
هل عليّ أن أخبرك..
بأن السطر الأخير أدركنا
ويكادُ حبر هذياني ينفدُ!
وها أنا أنهيك
وأضع النقطة الأخيرة.
** **
- قصص نثرية للأديبة الكويتية شمسة العنزي