أ.د.عثمان بن صالح العامر
أعجبني مقطع فيديو متداول يشبه حال الشخص في تعامله مع الزمن بحال قائد السيارة الماهر، ينظر في المرآة الصغيرة التي وضعت أمامه بين الفينة والأخرى ليرى من خلالها ما خلّلفه خلفه وتركه وراءه، والحال كذلك حين يبصر بالمرايا الأخرى التي عن يمينه ويساره، مع تركيزه الدائم على ما أمامه من منحنيات وتقاطعات، صعوبات وتحديات، مسارات متاحة وطرق فسيحة أو أنها ضيقة، وهكذا، ولأهمية تركيز النظر والذهن على الأمام كانت مساحة النظر أكبر بكثير من جميع المرايا الثلاث.
يأخذ المتحدث من هذا المثال حال كل منا حين ينظر للماضي ويلتفت للغير ممن هم عن يمينه ويساره، فمن يطيل النظر في ماضيه سيصطدم لا محالة بما هو أمامه، ومن يكثر اللفتات يمنة ويسرة هو كذلك سيسقط، ولذا على كل منا أن يركز النظر إلى الأمام، ولا يمنع عند الضرورة أن يلقي نظرة خاطفة إلى الجهات الثلاث، مع أخذ الحيطة والحذر حين الالتفات.
بعضنا يعيش في ماضيه، يطيل النظر في المرآة التي تعكس سالف أيامه، يتمتع في رؤية ما خلف وراءه، يجيد فن نبش صفحاته السابقة، ولا يستطيع أن يتجاوز ذلك الزمن الفائت إلى الحاضر فضلاً عن أن يركز نظره في قادم الأيام، ولذا هو عاجز عن أن يصنع المستقبل أو حتى يشارك فيه. والبعض الآخر يكثر الالتفات للغير ممن يمرون به عن ذات اليمين وذات الشمال، يراقبهم جيداً، يحسدهم على ما هم فيه من حال، يتهمهم، يلعنهم، يستهزأ بهم، ويظن أنه بهذا الصنيع يسلبهم ما منحهم الله من خير، وكان الأجدر به أن ينشغل بحاله مركزاً نظره في المرآة الأمامية حتى لا يقع في شر صنيعه الذي قد يرديه قتيلاً في زمن السرعة والتسارع، والزحمة والمزاحمة التي لا ترحم من ينشغل بماضيه والغير عن نفسه ومستقبله الذي هو مد البصر، حقق الله الرجاء وبارك الخطى وإلى لقاء والسلام