(الكتابة والألم) عنوان أعلنت عن تبنيه الجامعة التونسية قبيل أشهر، وقد عرضت مشكورة لمحاوره مفصلة كما جاءت في نشراتها، وإنه لمن دواعي سروري أن حظيت بفرصة للاستماع إلى هذا الزخم المعرفي الذي عكف على إنتاجه أساتذة وأستاذات جاءوا من بقاع العالم أجمع، ولأن الوفاء خصيصة تلازم المجتمع التونسي فقد جاءت أعمال هذه الندوة مهداة إلى روح الفقيد الأستاذ: بوشوشة بن جمعة -طيب الله ثراه- الذي كان سيكون بيننا هذه الأيام لولا أن وافته المنية. والأستاذ: بوشوشة بن جمعة عَلَمٌ قدير، وناقد تونسي مهتم بالرواية، وقد صدرت له عدة مؤلفات من بينها: الرواية النسائية المغاربية، ونمذجة الرواية التونسية المعاصرة.
وقد تنوعت الأعمال المقدمة إلى الندوة لتحيط بالألم وتستنطق جزئياته ما بين مقاربات تاريخية وسيميائية وفينومينولوجية، فعُني اليوم الأول بحضور الألم في النموذج الشعري والروائي، وسُلط الضوء على أنواع مختلفة من الألم جاء من بينها ألم الجوع، والفقد، والغربة والخوف. ولا يفوتنا تباين زوايا النظر والقضايا الشائكة التي يطرحها الألم ما بين تجنيس له، واختلاف في التعبير عنه، والمعجم اللغوي وما يستدعيه من مفردات مختلفة تكتسب أبعادًا جديدة مع كل تجربة إبداعية. وجاء اليوم الثاني ليضع الألم تحت المجهر فيصوره لحظة بلحظة، ويدرس الانفعالات والأحاسيس التي يثيرها، وكيفية تجسيدها، وهل الذات تتعايش غالبًا مع الألم، أم تحاول مقاومته؟ ثم طرح سؤال محوري فحواه : هل يكون الألم شرًا محضًا دائماً؟
أما اليوم الثالث فعرض لنمط آخر لكتابات الألم، وهو الكتابة الساخرة عن الألم في نماذج من الرواية العربية، والكتابة عن الألم عند مجموعة من الفلاسفة أمثال: نيتشة، والكتابة عن الكوارث وتأويليات العذاب. ومما راق لي في هذا الحوار العلمي الدولي: حضور الفضاء الرقمي الذي يفتح سبيلا آخر لحوار الحضارات، وتبادل الثقافات حول تجربة نعايشها ونواجهها أينما حللنا، كما أشيد بتعاون الأساتذة في الجمهورية التونسية الشقيقة، وتكبدهم عناء تذليل الصعوبات من ترتيب و تنسيق لتيسير إقامة هذه الندوة رغم ما لم يُذكر من عقبات، وطرح توصيات ثمينة كان الطفل لبنة أساسية فيها من خلال الدعوة إلى تناول ما يكتبه من ألم وشقاء يفصح عن خلجاته وقضاياه وحاجاته الإنسانية التي قد تكون مغيبةً أو منسية، و ثراء المداخلات التي حرص فرسان هذه الندوة على توثيقها والتداخل معها وإبداء وجهات النظر فيها، وهي كثيرة متعددة تغني حصيلة كل حاذق أرب.. يُذكر أن ندوة الكتابة والألم أُقيمت في الجامعة التونسية في المدة ما بين (26- 28) أكتوبر 2021م، وستجمع المشاركات وتطبع في كتاب ستصدره الجامعة في حينه.
** **
أفنان بنت عبد الله المسلم - باحثة في اللغويات - جامعة الملك سعود