د.عبدالله بن موسى الطاير
ليس الموضوع مستغربًا، ولا مفاجئًا، فلبنان يفتقد إلى قيادة، وإلى رشد سياسي يعيدان له سيادته قبل استعادة العلاقات الدبلوماسية مع المملكة. تصريح جورج قرداحي، وقبله وزير الخارجية شربل وهبة، ناهيك عن الإعلام «الممانع» الذي يتخذ من بيروت مقرًا له، ويكيل لبلادنا الشتائم على مدار الساعة، ويمجد في إيران وولاية فقيهها، جميعها ممارسات أنذرت بتدهور محتوم في العلاقات السعودية اللبنانية، ولم تعمل الحكومة اللبنانية على الحيلولة دون حصوله.
لقد كان طموح ولاية الفقيه في لبنان وما زال أكبر بكثير من الثلث المعطل، والمهيمنين بالمال والسلاح على الثلثين الآخرين؛ فلبنان يراد له أن يكون ولاية إسلامية شيعية تحت تاج الثورة الإسلامية الإيرانية، ولذلك تمت مقاومة كل محاولة لاستقرار لبنان ونمائه، وما مقتل الشهيد رفيق الحريري سوى علامة في طريق تحقيق الهدف الاستراتيجي، حتى ولو أقيمت الإمارة التابعة لطهران على الثلث المخصص للمسلمين الشيعة، إذا تعذر تشييع المسيحيين سياسيًا.
كثرة الربت على كتف لبنان لم تعد له صحته، والجهود السعودية الدؤوبة منذ اتفاق الطائف لم تزد النخب السياسية اللبنانية سوى إمعانا في عدم تقدير مواقف المملكة، وفي المقابل تتمتع إيران بكل التقدير من أطياف الساسة هناك على الرغم من تعطيلها الحياة السياسة والاقتصادية في ذلك البلد المنكوب.
غياب القيادة اللبنانية المسؤولة سواء على مستوى رئاسة الجمهورية أو الوزراء أو التشريع عطّل الاستجابة المناسبة للغضب السعودي من تصريحات جورج قرداحي، وزير الإعلام في حكومة ميقاتي. وبدلا من أخذ الحدث بجدية واحتواء الموقف سياسيًا، طالعتنا المنظومة الحاكمة في بيروت بتصريحات غير مبالية وغير مكترثة بحجم الإساءة لدولة أخذت على عاتقها إعادة الحياة والازدهار إلى لبنان الذي فتت نسيجه الاجتماعي، ودمرت اقتصاده وتنميته الحرب الأهلية. غياب الشعور بالمسؤولية تجاه لبنان ومصالحه جعل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يتعاملان باستخفاف مع تصريحات وزير الإعلام، وتحميل تلك التصريحات المسيئة على ما قبل توزير قرداحي. السعودية تعرف أن تلك التصريحات كانت قبل توليه حقيبة الإعلام، لكن كان على عون وميقاتي أن يعرفا أن تلك التصريحات هي المهر الذي دفعه قرداحي ليقبل به حزب الله في الوزارة. ولم يكن ذلك ليحصل لو أن النخب اللبنانية كانت حريصة على علاقاتها مع المملكة.
وفي الوقت الذي تلعثمت بعبدا، وتأتأت السرايا الحكومية كانت الضاحية الجنوبية توزع تصريحات حزب الله الداعمة للتصريحات القرداحية وتتوعد إقالته أو إجباره على الاستقالة معتبرة ما قاله بطولة يكافأ عليها؛ لتتنادى الضاحية وصعدة في تناغم طائفي وتنثال الشتائم على المملكة عبر شاشات المنار والميادين والمسيرة؛ تلك القنوات التي تبث جميعها من لبنان. لقد برز واضحا الزيف الذي تضمنه خطاب حزب الله، وفي حين ظهر في المقابل خطاب مراوغ وحيي للسلطات المسؤولة عن الدفاع عن مصالح لبنان الحقيقية مع المملكة ودول الخليج، وهو ما يعد تنكرًا مقيتًا ومشينًا في حق المواقف السعودية تجاه لبنان حكومة وشعبًا.
لا أظن أن العلاقات السعودية اللبنانية ستعود طالما بقيت سيادة لبنان بيد حزب الله، واستمرت الزيجة المختلطة بين الضاحية وبعبدا، وبقي التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل مرتهنا في بيت الطاعة لدى حسن نصر الله. لبنان أحوج اليوم إلى إعادة تعريف هويته، وتلمس سبيله إلى استعادة سيادته قبل التفكير في استعادة علاقاته بالمملكة العربية السعودية. فبلد يشكل ثلثه حزب إرهابي مشارك في الحكومة هو بلد منقوص السيادة، وعديم القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة في علاقته بالبلدان ذات السيادة.