د. عيد بن مسعود الجهني
أبسط تعريف للقوة انها تتمثل في القدرة على التأثير في سلوك الدول الأخرى، واليوم تعد أساساً رئيساً لمعرفة مدى إمكانية الدول وقدراتها على أن تكون مؤثرة في السياسة والعلاقات الدولية خاصة (القوة العسكرية).
ففي منظومة العلاقات الدولية نجد أن الدولة صاحبة القوة والنفوذ يمكنها أن تؤثر في مسيرة السياسة الدولية لكونها تمتلك جيوشا حديثة مجهزة بأحدث العتاد العسكري تطوراً وتصبح جاهزة للتدخل السريع بقوتها إذا ما هددت مصالحها على المستوى الدولي إذ تعتبر أن ذلك فيه حماية لأمنها واستقرارها والحفاظ على مصالحها بل وبقائها كدولة قوية.
نجد ذلك متجسداً في هذا العالم المتغير الذي يعتمد على القوة الصلبة ممثلة في الدول الخمس التي خرجت من رحم الحرب الكونية الثانية، فأصبحت تلك الدول صاحبة اليد العليا في تسيير دفة العلاقات الدولية.
هذه الدول الخمس تملك ترسانة نووية بإمكانها تدمير الكرة الأرضية وساكنيها مرات عدة، ولحق بهم دول منها الهند وباكستان وكوريا الشمالية، وقبل تلك بالطبع إسرائيل صاحبة (250) رأس نووي يذهب الصهاينة إلى القول أنهم يحتاجون من تلك الترسانة (37) قنبلة نووية فقط لتدمير المدن الرئيسية في العالم العربي (المسالم) الذي نأى بنفسه عن امتلاك ذلك السلاح المدمر.
دولة تسعى لامتلاك السلاح النووي، بل إنها قد ملكت سر إنتاجه إنها إيران التي اعترف عبد القدير خان أبو القنبلة النووية الباكستانية الذي تلقى علومه في كل من ألمانيا وهولندا وتمكن من الحصول على أسرار صناعة السلاح المدمر، وضرب مثلاً حياً في الوطنية وولائه لبلاده، والذي لقي ربه مؤخراً- رحمه الله- أنه زودها وكوريا الشمالية بتكنولوجيا صناعة هذا السلاح.
القذافي اعترف هو الآخر أن بلاده حصلت على تلك الأسرار من خان لكنه أمام ضغط الإدارة الأمريكية عليه تخلى عن مشروعه الطموح وسلم مفاتيحه للبيت الأبيض قائلاً (لا أريد أن يحدث لي ما حل بصدام حسين)- رحمهما الله-.
يبقى التنافس اليوم في الشرق الأوسط بين الدولة العبرية وأختها الفارسية وكل منهما يسعى للتفوق على الآخر حتى في السلاح التقليدي وميزانيته فطهران تنفق سنوياً أكثر من (15) ملياردولار على التسليح، وأختها إسرائيل أكثر من (16) مليار دولار.
ومع هذا السباق بين الدولتين يبرز ترتيب جيوشهما من بين جيوش العالم فطهران أصبحت تحتل المركز الـ (14) وإسرائيل الرقم (20) بين (140) دولة، لكن المعيار الأساسي في مفهوم القوة ليس بأن تصبح دولة ما صاحبة رقم متقدم أو متأخر بين دول العالم، إنما يتمثل في نوع ومستوى القوة التي تمتلكها الدولة، نعني بذلك القوة البشرية، القوة الجوية، الترسانة الصاروخية، القوات الأرضية، القوات البحرية.. الخ.
ومن المهم القول إن مستوى التطور التكنولوجي والحداثة في التسليح لهما دور كبير في تحديد قدرات الجيوش، وفي المقارنة بين الدولتين نجد أن الكفة ترجح لصالح إسرائيل التي تمتلك قوة جوية ضاربة تعتبر امتداداً لقوة الولايات المتحدة.
لكن السؤال المحوري هل ستندلع حرب بين الدولتين؟
من يتابع الصراع بينهما منذ عام 1979 عندما غادر الشاه طهران وحل محله الخميني كان أول إعلان له تصدير ثورته إلى الدول المجاورة وتحرير القدس الشريف، وتوالت التصريحات حتى جاء (نجاد) ليعلن عزم بلاده على مسح إسرائيل من خريطة العالم ووافقه من جاء بعده.
القادة الإسرائيليون أعلنوا أنهم لن يسمحوا لإيران امتلاك السلاح النووي، وعلى مدى (13) عاماً كان الجزار نتنياهو هذا هو ديدنه يردده يكرره مرة تلو الأخرى حتى أصبح عنواناً لحملات انتخابه، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي المتصرف نفتالي بينيت لم يكتف بالإعلان عن ذلك في إسرائيل بل زاد عليه إعلانه من على منبر الأمم المتحدة عدم سماح إسرائيل لإيران أن تنضم للنادي النووي.
بعض العرب صدقوا رجال طهران ان القدس هدفهم، وصدقوا إسرائيل أنها ستدمر مشروع إيران النووي، وكلتا الدولتين متحدة ضد العرب شئنا أم أبينا.
إيران لديها مشروع نفذته بدقة ساعدتها أمريكا وإسرائيل في تنفيذه، تعتبر العراق امتداداً لها وسوريا تحت مظلتها ولبنان في قبضتها وممثلها هناك حزب الله أعلن مؤخراً أن عدد جنده بلغ المئة الف، وفي اليمن ذراع إيران هناك الحوثيون ينفذون أجندة إيرانية رسمت خطوط أهدافها بدقة لتصبح تلك الجماعات تدير حروباً بالوكالة لصالح إيران.
إسرائيل من جانبها تبتلع الأرض الفلسطينية وتحتل القدس الشريف وترهب أهل فلسطين قتلاً وتشريداً واحتلالا لأرضهم وهدم منازلهم وإسكانهم في السجون، فالمشروع الصهيوني لا يختلف عن المشروع الفارسي وكلا المشروعين ينفذان على أرض العرب.
المعادلة واضحة لن تكون هناك حرب بين الدولتين وإنما اتحاد بينهما ضد مصالح العرب، والترسانة الصاروخية الإيرانية لن تقذف هدفاً إسرائيلياً رغم أنه بإمكانها تهديد المواقع الإسرائيلية.
والطائرات الإسرائيلية المتطورة البالغ عددها أكثر من (600) طائرة حربية منها F35 لن تشن غارة جوية واحدة على إيران، رغم أن العسكريين الإسرائيليين يدركون أن قوة طهران الجوية البالغة (516) طائرة حربية ليست في مقدورها منازلة القوة الجوية الإسرائيلية لعدم جاهزيتها، قديمة الصنع تفتقد الصيانة بسبب الحظر المفروض على ذلك البلد.
ويبقى الوضع بين الدولتين مستقراً على الإعلانات بنذير حرب كاذبة يصدق عليها القول أنها لعبة قط وفأر، فالجيش الإسرائيلي (635) ألف جندي فاعل واحتياطي، والجيش الإيراني (875) ألف فاعل واحتياطي لن يتقابلا يوماً، وإنما الحالة بينهما برداً وسلاماً.
وإذا كانت القوات البرية الإيرانية هي الأخرى تمتلك عدداً كبير من الدبابات والدولة العبرية لا تتأخر فهي تمتلك العدد الكثير منها بل وأكثر تطوراً لكنها لن تتعدى ضرب غزة وتبقى الدولة الفارسية صديقة لإسرائيل متفقين على النيل من العرب وما قدمناه يؤكده الواقع في العراق وبلاد الشام ولبنان واليمن وما هو إلا دليل على أن الدولتين هما ضد مصالح العرب على طول الخط، فالدولة العبرية لم تهاجم هدفاً واحداً لإيران في العراق مثلاً.
هذا يؤكده الواقع إضعاف العراق واحتلال سوريا من دولة الفرس وإسرائيل وزعزعة الدولتين ضد مصالح الدول العربية، وكلما قامت به إيران من تدخل سافر في الدول العربية الأربع مؤداه زعزعة الأمن القومي العربي خدمة لمصالحها والمصالح الإسرائيلية.
وتبقى إجابة السؤال المحوري أن إيران بالفعل حقيقة وليس خيالاً امتلكت تكنولوجيا السلاح النووي منذ سنين والشاهد خان نفسه فقد سلمها مفاتيح وأسرار هذا السلاح وقبض الثمن وفعل رجل كوريا الشمالية نفس الشيء، بل إنه كان أسرع من طهران، وعندما اجتمع بالرئيس الأمريكي السابق ترامب في سنغافورة برزت (القوة) فكان نداً قوياً لم يتنازل عن ذرة واحدة من برنامجه، وبالأمس أطلق صواريخ من تحت الماء تجاه اليابان ليعلن القوة.
نحن كعرب علينا أن نفهم أن الفرس واليهود متحدون ضدنا.
وأن الإسرائيليين سيتعايشون مع إيران كدولة نووية.
ويجب أن ندرك أيضاً أن الاتفاق النووي مع طهران ستدعمه الإدارة الأمريكية وقد ترفع العقوبات.
لعلنا ندرك يوماً أن (القوة) سلاح بتار يخلق من العدو صديقاً ومن الصديق أكثر صدقاً وولاء.
وندرك أن إسرائيل لن تغزو إيران.
وعلينا أن ندرك أيضاً أن البيت الأبيض لن يتحد مع إسرائيل لضرب إيران.
وإنما نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً.
يجب أن ندرك أن بناء القوة بكل محدداتها ضرورة وليس ترفاً.
إنها (القوة) درع قوي وسيف لامع بتار.
والله ولي التوفيق.
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة